أقسام الجهاد باعتبار الحكم

أما باعتبار الحكم الثابت المستقر فإنه متى كان المسلمون مستطيعين، فإن الجهاد واجب عليهم، والدليل على وجوبه - وهو من أقوى الأدلة- وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: {من لم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو؛ مات على شعبة من نفاق} .

إذاً: كل مسلم لا بد أن يغزو أو يحدث نفسه بالغزو، والغزو معناه واسع، ليس معناه أن تحمل متاعك وتقول: توكلنا على الله، نعم، هذا من الغزو، لكن الجهاد في سبيل الله مجاله -كما أسلفت- واسع.

لكن ليس معنى ذلك أنه فرض عين، لا، إنما هو فرض كفاية، والدليل قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122] معنى الآية أي: ما كان المؤمنون ليخرجوا إلى الغزو والجهاد كلهم أجمعون، وَيَدعُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلا، لكن يخرج من كل فرقة منهم طائفة، ويبقى بقية يتفقهون في الدين، ويتعلمونه، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، هذا أحد المعاني في الآية.

إذاً يخرج جماعة إلى الجهاد وجماعة يخرجون لتعلم العلم الشرعي.

ومع الأسف، أصبح بعض الشباب يهونون من العلم الشرعي، يقولون: نخرج للجهاد، وبعضهم يهونون من أمر الجهاد، يقولون: نخرج للدعوة، ومن الطرائف: يقول لي أحد الشباب: أن جماعة من الدعاة إلى الله تعالى، ذهبوا إلى المجاهدين الأفغان: عبد رب الرسول سياف، وحكمتيار، ورباني وغيرهم، وألقوا مواعظ عليهم، وقالوا: نريد منكم أن تخرجوا في سبيل الله، قالوا: ونحن ماذا نفعل؟! أنحن نجلس نلعب الورق! أونأكل الفصفص! أو ماذا نفعل؟! ماذا يكون الجهاد إن لم يكون هو العمل الذي نحن فيه؟! فالمشكله أن كل إنسان أخذ بجزء وغفل عن الجزء الآخر، فهذا من التحجيم والتحجير لمفهوم الجهاد -كما أسلفت-.

من الأدلة -أيضاً- على أن الجهاد ليس فرض عين، وإنما هو فرض على العموم، على الكفاية، حديث أبي سعيد الخدري الذي رواه مسلم قال عليه الصلاة والسلام: {يخرج من كل رجلين رجل، والأجر بينهما} فلو كان الجهاد واجباً على كل فرد لم يكفِ أحدهما عن الآخر، لكنه يتعين في حالات: منها: عند النفير، إذا عين الإمام أشخاصاً، أو أمة، أو فئة، أو طائفة، فطلب منهم النفير؛ فيجب على من عينه الإمام أن يخرج لقوله عليه الصلاة والسلام: {وإذا استنفرتم؛ فانفروا} .

ومنها: إذا هاجم العدو بلداً؛ وجب على أهل ذلك البلد دفعه.

ومنها: إذا حضر الإنسان الجيش عند القتال وتلاحم الصفان والتقى الجيشان؛ فلا يجوز الفرار حينئذٍ لقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:16] .

ففي هذه الحالات الثلاث يصبح الجهاد فرض عين على من تعين عليه، وليس على جميع الناس.

وأستبعد -والله تعالى أعلم- أن توجد حالة يكون فيها الجهاد فرض عينٍ على أعيان وأفراد الأمة كلها، فلا أعتقد أن هذا يقع في حال من الأحوال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015