طبيعة الكفر واحدة

أول هذه الأمور: أن طبيعة الكفر واحدة، فالكفر الذي واجهه موسى عليه السلام، والذي كانت لهجته {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:29] وكانت لهجته {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء:29] وكانت لهجته {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26] هذا الكفر: هو الذي واجهه إبراهيم عليه السلام، والذي كان قومه، يقولون: {ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} [الصافات:97] هذا الكفر هو الكفر الذي واجهه عيسى عليه السلام، وهو الكفر الذي واجهه محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة:254] .

هذا حكم إلهي على الكافرين، ويقول جل وعلا: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217] ويقول: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89] ويقول: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] ولو أسرد لكم الآيات القرآنية التي تبين طبيعة الكفر؛ لانتهى المجلس قبل أن نكمل هذه الآيات.

قد يتخيل بعضكم أن هذه قضيه بديهية، وهي كذلك قضية بديهية، لكن المؤسف أننا في هذا العصر أصبحنا بحاجة إلى التركيز على البديهيات، حتى يفهمها الناس ولا يقبلوا فيها أي تراجع.

وقد وقع في يدي عدد من الكتب التي كتبها -مع الأسف- بعض الفقهاء، وبعض المفكرين المعاصرين، فوجدت أنهم يطرحون قضية الجهاد طرحاً ميتاً متماوتاً، مخذولاً مهزوماً، يقول لك: الأصل المسالمة مع الكفار، والأصل أننا ندعو وننشر الإسلام بالحكمة، والموعظة الحسنة، وبالسلم، وبالدعوة السلمية، أصبح كثير -لا أقول من عامة المسلمين بل من دعاة الإسلام في هذا العصر- يتصورون أنه من الممكن عن طريق الدعوة السلمية، والوسائل السلمية، أن أمريكا تسلم، ثم بريطانيا، ثم فرنسا، ثم ألمانيا، ثم روسيا.

والحمد الله رب العالمين، وتنتهي هذه القضية، ولا نحتاج إلى رفع راية الجهاد، ولا نحتاج إلى حمل السيوف للقتال، يتصور بعض البله والمغفلين مثل هذا الأمر، والواقع أن الذي يقرأ القرآن الكريم قراءة واعية، لا يحتاج إلى كلام، ولا إلى بيان خلاف ذلك، مثل من يتصورون -أيضاً- أنه قد يوجد في كل بلد من بلدان العالم أحزاب تنادي بالإسلام، ثم تطرح برنامجها في الإصلاح الزراعي، وبرنامجها في الإصلاح الإداري، وبرنامجها في الإصلاح السياسي، وبرنامجها في الإصلاح الاقتصادي، ثم تستقطب الناس شيئاً فشيئاً، ثم تطرح نفسها بالترخيص الرسمي لها، فتدخل البرلمانات والمجالس النيابية، وغير ذلك، وتبدأ شيئاً فشيئاً تطرح الإسلام، حتى تفرض الإسلام من خلال المجالس النيابية، ومن خلال القنوات الرسمية -كما يقولون- وبهذا نستطيع -كما يتصورون- أن نفرض الإسلام على أمريكا، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وغيرها من بلاد العالم.

هذا في الواقع سذاجة كبيرة، وقد لاحظتها ولمستها على بعض الذين يعايشون الكفار في أوروبا، وأمريكا، يقولون هؤلاء الكفار سذج، ما عندهم شيء، وليس عندهم عداء صريح للإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015