إذاً: من السذاجة بمكان، أن نتصور أن الطبيعة التي حكاها الله عز وجل عن الكفار، واليهود والنصارى والمشركين في القرآن الكريم، أنها يمكن أن تتغير ويمكن في يوم من الأيام، أن نفرض الإسلام عليهم، عن طريق السِلْم، والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والبرلمان، والمجالس، ثم إذا بهم بقدرةِ قادر يتحولون إلى مسلمين! هذه سذاجة وبلاهة يطول منها العجب!! ولست أعجب أن تنطلي على سذج ومغفلين، ولكنني والله أعجب أن تنطلي على مفكرين، ويقال لهم فقهاء، ويكتبونها في كتب وتنشر في دوريات، ونشرات، وقد آلمني هذا جداً.
إن طبيعة الكفر -أيها الأحباب- واحدة، فالكفر الذي واجهه الأنبياء هو الكفر الذي نواجهه الآن {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان:31] فإذا قامت للإسلام دعوة حقيقية، ورفعت راية الجهاد في سبيل الله، والدعوة الصادقة إلى الله عز وجل، إن كانت صادقة فإن الله سبحانه وتعالى يقول: بأنه لا بد وأن يكون لها أعداء من المجرمين، وهؤلاء الأعداء بطبيعة الحال لا أعتقد، ولا يعتقد معي عاقل، ولا مجنون أنهم سوف يقفون مكتوفي الأيدي، هؤلاء الأعداء شأنهم كما ذكر الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:112] .
فهم يمكرون، ويكيدون، ويتآمرون، ويخططون، ولم يجلسوا، بل على العكس نحن الجالسون، أما هم لا يزالون يكيدون مع أن المسلمين شبه نائمين، إلا أن أعداءهم يكيدون لهم كيداً، خشية أن يستيقظوا من غفوتهم ونومهم، فما بالك لو استيفظ المسلمون فعلاً، واستردوا بعض عافيتهم، لوجدنا العداوة الصريحة المعلنة، ووالله إن كل هذه العبارات التي أصبحوا يدندنون بها الآن، ويرددونها في أجهزتهم، وصحافتهم: قضية حقوق الإنسان، وحرية الإنسان، وكرامة الإنسان، وميثاق الأمم المتحدة، ومثل هذه العبارات الرنانة، هذه -والله- كلها حبر على ورق، والدليل على ذلك أنه لم يلتزم بهذه القضايا إلا المسلمون.
الآن قضية ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنع الجهاد، ويحرمه -ومع الأسف- يوقّع عليه المسلمون، وهو يعتبر أن الجهاد نوع من القرصنة الإقليمية، والاعتداء على حقوق الآخرين، وأن المنازعات بين الدول يحب أن تحل بالطُرق السِلْمِية، لأن النزاع يهدد الأمن والسلام والدوليين كما يقولون.