Q لا يخفى عليكم كثرة الطوائف في المجتمع المسلم اليوم، فهل ترون أن الانتماء إلى أحدها يخل بالتوازن، وهل يمكن الانتماء إليها مع التوازن في ذلك؟
صلى الله عليه وسلم أقول: إن مما يجب أن نفقهه -أيها الإخوة- أن الاختلاف بين المسلمين أمر لا مفر منه، ومنذ أن كسر الباب، انفتح باب الفتنة على المسلمين ودب الخلاف بينهم.
وإنك حين تستعين بالقاعدة التي ذكرتها في أول الحديث، وهي قاعدة: عرض الأشياء على مجتمع الصحابة، تجد أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قد اختلفوا في العديد من الأمور، وعلى سبيل المثال: اختلفوا في مسائل فقهية كثيرة: في المواريث، وفي التيمم، وفي الطهارة، وفي الصلاة، وفي الزكاة، وفي الصيام، وفي الحج، وفي سائر أبواب العلم، بل واختلفوا في أشياء عملية اجتهادية اختلافاً بيناً، فاختلفوا في مواقفهم، وحين تنظر في موقف الصحابة من الفتنة التي حصلت، تجد أنهم اختلفوا في ذلك، فمنهم من كان في صف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومنهم من كان في صفوف أهل الشام مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ومنهم من رأى أن الموقف الأجدر به هو العزلة، فاعتزل كما فعل سعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، وأهبان بن صيفي، ومحمد بن مسلمة وغيرهم كثير.
إذاً: فالاختلاف بين المسلمين سواء في الأشياء الشرعية، أو في المواقف العملية الاجتهادية، أمر طبعي.
لكن أنبه في هذا الباب إلى عدة ملاحظات مهمة: الملاحظة الأولى: أننا يجب أن نتفق جميعاً ولا نختلف على أن يكون مَردّ كل اختلاف يشجر بيننا إلى كتاب الله تعالى، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59] وهذه قضية أساسية ومهمة.
الملاحظة الأخرى: أن المخالفين أو المبتعدين عن المنهج الصحيح أنواع: فمنهم من يخالف ما ترى أنت أنه المنهج الصحيح لاجتهاد قام عنده ووجد لديه دليله، وهو أهل لأن يسلك هذا المسلك، ويجتهد هذا الاجتهاد، وتعرف منه الصدق والإخلاص فيما يسلك، ومثل هذا ينبغي التلطف معه، ومناصحته بالأسلوب الحسن الطيب، فإن بقي على ما هو عليه ولم يقتنع بما لديك، فعليك أن تقوم بحقوق وواجبات الأخوة نحوه.
وهناك نوع آخر ممن انحرفوا عن المنهج الصحيح لغرض، كهوى قام في نفوسهم، أو لجهل أو لأي سبب من الأسباب التي لا تسوغ لهم هذا الأمر أو هذا الموقف، ومثل هؤلاء -أيضاً- يجب مناصحتهم، وحثهم على التخلي عما وقعوا فيه من خطأ أو انحراف، ودعوتهم إلى المنهج الصحيح، فإن أصر على ما هو عليه كان الواجب على الإنسان أن يظهر مخالفته له وتميزه عنه بمنهجه، حتى يكون الآخرون على بينة من الأمر، ولا تختلط الأمور والمواقف عليهم.
أما انتساب الإنسان إلى مجموعة من الدعاة، تعينه على الخير وترشده إليه، ويتعاون معهم على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان، وينسق معهم، أو يصرف من خلالهم جهده وطاقته -إن كان هذا هو المقصود- وكان هؤلاء القوم أهل سنة واتباع، وإنما اجتمعوا على كتاب الله وسنة رسوله، لا على ما تهواه نفوسهم، ولا على الاتباع لشخص، أو شيخ، أو مذهب غير صحيح، فلا أرى في هذا حرجاً والله أعلم.