ولا شك أن الإنسان قد يقول: كيف لي أن أعرف الموهبة التي يمكن أن أجيد فيها؟ وهذا فعلاً لا يتحقق في كثير من الأحيان إلا بنوع من الانتباه والتجربة.
ففي بعض الأحيان تجد مواهب الإنسان بارزة وأنها متجهة إلى شيء معين، وهذا لا إشكال فيه، لكن في أحيان أخرى تكون هذه المواهب خفية تحتاج إلى صقل وإلى تجربة واستشارة، ومع التجربة والانتباه والاستشارة أيضاً يصل الإنسان إلى الموقع الطبيعي المناسب.
ويجب علينا أن ندرك أن الله عز وجل حين قسم بيننا هذه المواهب وهذه الملكات، أراد منا أن نستثمرها في طاعته وفيما يرضيه؛ ولذلك حين نهدرها أو نضيعها، نكون قد ظلمنا أنفسنا، وتعرضنا لسخط الله عز وجل وعقابه.
وانظر إلى قول الله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام:165] وتأمل هذه الآية: أولاً: {جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ} [الأنعام:165] فنحن مستخلفون في هذه الأرض ومطالبون بعمارتها، كما قال: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود:61] فنحن مطالبون بعمارتها بشرع الله ومنهجه، ومطالبون بإقامة دين الله عز وجل فيها بكل جوانبه، ودين الله لا يقوم به إلا من أحاطه من جميع جوانبه، فنحن مطالبون بجميع ذلك: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ} [الأنعام:165] ثم قال سبحانه: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الأنعام:165] .
إذاً: فالناس درجات متفاوتة، منهم من جمع من الفضل والخير أنواعاً كثيرة، ومنهم دون ذلك، ومنهم الفاضل في مجال، ومنهم الفاضل في مجال آخر، منهم العالم، ومنهم العابد، ومنهم المجاهد، وهذه درجات متفاوتة وأنواع من الفضل {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [الأنعام:165] .
إذاً: هذا الفضل سواء كان فضلاً موهوباً، أو فضلاً مكتسباً، هو ابتلاء واختبار {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [الأنعام:165] من هو الذي ينجح في هذا الابتلاء، فيقوم بما أوجب الله عليه بتوجيه المواهب الفطرية توجيهاً صحيحاً يخدم الإسلام، وبالاستفادة مما اكتسبه في طاعة الله تعالى ومرضاته؟ ومن هو الذي يخفق في هذا الامتحان، فيوجه مواهبه توجيهاً غير صحيح، أو يوجه ما اكتسبه في معصية الله أو في الإثم، أو في أشياء لا فائدة منها؟ ثم ختم الآية بالإشارة إلى العقاب، وإلى مغفرة الله تعالى ورحمته، وهذا دليل جلي واضح على أنه ينبغي للشاب المسلم أن يستثمر طاقاته ومواهبه في خدمة الإسلام، ويدرك أن كل طاقة عنده مهما تكن بسيطة، ينبغي أن توجه توجيهاً صحيحاً.
أيها الإخوة: إن من الخطأ أن يكون الشاب في بناء شخصيته متذبذباً، منتقلاً من طرف إلى طرف، بل ينبغي له أن يرسم لنفسه منهجاً متوازناً معتدلاً، يجمع بين العلم والعبادة والعمل، ثم يحرص على البروز أكثر وأكثر في المجال الذي يحسن فيه.
هذا ما أردت أن أتحدث إليكم فيه في هذه الساعة القصيرة.
وفي الختام أتوجه إلى الله تعالى وأسأله أن يوفقني وإياكم للاستفادة مما وهبنا في طاعته، وأن يجعلني وإياكم ممن صرفوا جميع إمكانياتهم في سبيل الله تعالى، وألا يجعل حظنا هو الكلام أو الاستماع.
وأصلي وأسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.