Q أنا شاب حاولت كثيراً أن أتوب ولكني لا أستمر في هذا الطريق، أرجو منكم إرشادي.
صلى الله عليه وسلم لا مانع من تكرار التوبة، فمن الممكن أن تتوب ولو عصيت غداً، ولو عصيت بعد غد تتوب، ولو عصيت مائة مرة تتوب، وكثير من الشباب يكون عنده معصية كالعادة السرية -مثلاً- فيكون يفعلها اليوم ثم يشعر بالندم فيتوب، وبعد فترة تتجدد عنده دوافع الغريزة فيفعلها مرة أخرى فيتوب، وهكذا.
وهاهنا أنبه إلى عدة أمور: الأمر الأول: لو تكرر منكم الذنب كرر التوبة، ولا مانع ولو مائة مرة فلا تقل لا داعي أن أتوب لأني أعرف أني سأنقض، لا، ليس شرطاً، فقد تموت قبل أن تفعل مرة أخرى، فلتمت على توبة، ولا تعتقد أنك إذا فعلت الذنب مرة ثانية أن الذنوب السابقة التي تبت منها تعاد عليك، لا، الله إذا أعطاك شيئاً لا يرجع فيه سبحانه، فهو لا يعود فيه، فالله كريم إذا أعطاك شيئاً لا يعود فيه، فالذنوب التي تبت منها سابقاً لا تكتب عليك، لكن يكتب عليك الذنب الأخير تب منه وامسحه عنك أيضاً بإذن الله تعالى، هذا أولاً.
الأمر الثاني: إياك أن تنذر نذراً على نفسك لتجبر نفسك على ترك الذنب، فبعض الناس -مثلاً- من أجل أن يجبر نفسه على ترك المعصية؛ يستعمل أسلوب النذر، فيقول: عليَّ نذر إن فعلت هذا الذنب أن أصوم ستة أشهر -مثلاً- وفي النهاية عندما تغلبه الشهوة يغيب عنه كل شيء ويفع مرة أخرى، فيكون قد أوقع نفسه في حرج آخر، وجر نفسه إلى معصية أخرى، وهي أنه ألزم نفسه بالنذر ولم يفعل.
لا تفعل هذا أو تقول: أعاهد الله فهذا خطأ، قل: أستغفر الله، وأتوب إلى الله، وأرجو الله ألا أعود وأستغفر الله عز وجل.
وأسأل الله أن يعينك على نفسك.
الأمر الثالث: إياك إياك! أن يكون وقوعك في هذا الذنب سبباً في تركك للطاعات، فبعض الشباب -مثلاً- يكون مع أناس صالحين يقرأ القرآن فيتصور نفسه وهو بينهم، ثم يتخيل نفسه وهو يفعل هذه العادة، فيشعر باستقذار لنفسه وتوبيخ وأنه ليس جديراً بالبقاء مع هؤلاء الطيبين الصالحين، وبالتالي يقول له الشيطان: لا تجلس معهم لأنك منافق، فيخرج من بينهم، وإذا خرج من بينهم تفرد به الشيطان، ففعل به الأفاعيل وعبث به كما يحلو له.
لا.
بل عليك أن تجلس معهم، وأنت -إن شاء الله- طيب وطاهر ولو وقع منك هذا الذنب، فتب منه غداً أو بعد غد أو يسامحك الله أو يعاقبك الله عليه ثم يكون مصيرك إلى الجنة -إن شاء الله- لأنك من أهل التوحيد والإيمان والصلاة، لكن لا تترك الأخيار؛ لأنك إن تركتهم زدت الطين بلة -كما يقال- وأضفت إلى العلة علة، فكن معهم، وربما تُرْحَم بسبب صحبتك لهم، وما من إنسان إلا وعليه ذنوب ومعاصٍ.
الأمر الرابع: فكر بالأسباب التي تدعوك إلى تكرار المعصية: كمشاهدة حرام، الذهاب إلى الأسواق -مثلاً- صحبة الأشرار، سماع الغناء، السفر، أي شيء تجده هو السبب في وقوع المعصية؛ اخرج منه، ولذلك تعرفون قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، ثم جاء إلى راهب فسأله هل لي من توبة؟ قال: لا، فقتله وأكمل به المائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على عالم، فقال: هل لي من توبة؟ قال: نعم، ولكن لا تعد إلى أرضك فإنها أرض سوء انتبه إلى السبب، لماذا هذا الرجل كرر المعصية وكل يوم يقتل؟ لأنه في بلد يغري بالقتل.
وعلى سبيل المثال: هذا الرجل مشغول بالجريمة فكل أصدقائه وأقاربه دائماً وأبداً يثنون عليه بالفروسية لأنه بطل، فهو يسمع عبارات الإعجاب من المجتمع الذي حوله، فيغريه بالفساد، فلو أراد أن يترك ويتأخر لدفعوه هم بالقوة إلى الأمام، تماماً كما تجد كثيراً من الشباب، مثلاً: شاب مغنٍ يحب أن يترك الغناء، لكن التصفيق وعبارات الإعجاب هذه تمنعه من الترك، ويستحي من الأصدقاء والمعجبين والذين يراسلونه ويتصلون به.
حتى إني أعرف واحداً يعيش أزمات نفسية ويتمنى أن يترك هذا الأمر، ولكنه يدفع دفعاً بواسطة المعجبين.
وأيضاً تعرفون قصة محمد عبده وكيف كان يتوب ويعلن توبته ويتكلم في الصحف، وقد قرأت له مقابلة في جريدة المدينة عجيبة للغاية؛ حتى تكلم عن كلام العلماء في الموسيقى في تحريمها ومنعها، وكانت مقابلة في غاية الصراحة، وقابلت الرجل في مكة وكان تظهر على وجهه آثار الخير.
إذاً: انظر السبب الذي يجرك جراً ويدعوك إلى الوقوع في الذنب فاعمل على تجنب هذا السبب، وعليك بكثرة الاستغفار، فالمؤمن واهٍ راقع، يشق ويرقع، فأكثر من الاستغفار.