مجاهدة النفس دائماً

الأمر الرابع: أنه لابد من مجاهدة النفس في كل لحظة، ففي كل ساعة أنت في جهاد والشيطان يدعوك، فإذا نظرت إلى المرأة قال لك الرسول صلى الله عليه وسلم: {اصرف بصرك؛ فإن لك الأولى وليست لك الثانية} النظرة الأولى -النظرة العفوية- التي كانت بغير قصد، لكن النظرة الثانية: لا، ومن قبل قال لك الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] .

وقال لك الشيطان: كرر، انظر هذا الجمال لا يفوتك، وهذه فرصة! فأيهما تطيع: الله أم الشيطان؟! فهي مسألة تحدٍ بينك وبين الشيطان، وهي مفرق طريق ولها ما بعدها، فإذا أدمنت النظر؛ تحول النظر عندك إلى طبيعة لا تستطيع أن تنفك عنها، وهذه قضية انتبه لها جيداً، فلو أنك قاومت النظر انتهى ما بعده، لكن إذا استسلمت للنظر؛ فإنه يجرك إلى التلذذ بالجمال، والجمال أغراك، والقلب تمنى، والشيطان يدعو وينادي، والغريزة موجودة، وإمكانية وقوع الحرام ممكنة، فهلك الإنسان وأهلك.

ولا تقل: مرة وأتوب.

يقول بعض السلف: من يُسوِّف في فعل المعصية وترك الطاعة؛ مثل إنسان خرج من بيته إلى المسجد، فوجد شجرة مغروسة في الطريق -في طريق الناس شوك- فأراد أن يقتلع هذه الشجرة، حاول بيده فلم يستطع؛ فتركها، وقال: أعود إليها بعد سنة، ونسي أنه بعد سنة هذه الشجرة زادت قوة ورسوخاً، وضربت جذورها في التربة، وبسقت أغصانها وفروعها، فأصبحت أصعب على الاقتلاع منها أول ما حاول أول مرة، وكذلك هو ضعفت قواه وانهدت، سنة مضت من عمره فأصبح أضعف من يوم أن حاول اقتلاعها أول مرة.

فإذا عجزت الآن عن مقاومة نفسك عن النظر أو ما هو أشد من النظر؛ فلا تطمع أنك تستطيع بعد مضي زمن طويل؛ لأن قوتك ضعفت، وقد تعود جسمك وألف على هذا الشيء.

والمؤسف أنه حتى اللذة الدنيوية تفقدها، فتفطّن لهذا! هل تحسب أن الذين يرتكبون الحرام يتلذذون به؟ لا والله، لكن أصبح إدماناً؛ كما يقول الشاعر الجاهل عن الخمر: وكأسٍ شربت على لذةٍ وأخرى تداويت منها بها فالكأس الأولى شربها فعلاً للذة، لكن الكأس الثانية شربها فقط من أجل الإدمان، وليتداوى بها من الكأس الأولى.

فالله يعلم أن الأبرار الأعفاء البعيدين عن الحرام؛ يجدون من اللذة في الحلال ما لا يجده أفجر الناس في الحرام؛ لأنه افتتن وأصبح لا يشبع، مثل الماء الذي ورد إلى صحراء، لا يشبع أبداً؛ لو جيء له بنساء الدنيا كلهن؛ ما شبع، ولا وجد اللذة التي يريد، لكنه يريد ذلك الحرام والعياذ بالله؛ فإنه قد انفتق قلبه وافتتن؛ فلا يهنأ بعيش، ولكنه مدمنٌ على هذه الأمور لا يعرض عنها، وخسر دينه، وخسر أخلاقه، وخسر حتى صحته.

وأنتم تدركون الآن أن أعظم مرض يهدد العالم هو مرض (الإيدز) ، وأن ضحاياه بالملايين أو مئات الملايين، والذين توجد فيهم الجرثومة -وقد انكشفوا- أيضاً أضعاف أضعاف هذا العدد، فأمريكا -مثلاً- فيها أعداد غفيرة جداً، وأعظم مكان يوجد فيه هذا المرض هو في بانكوك وما حولها في جنوب شرق آسيا؛ حيث السياحة، والسياحة العربية على وجه الخصوص، والسياحة الخليجية بصفة أخص، وحيث تجد شباباً -أحياناً- من هذه البلاد وغيرها في سن الخامسة عشرة والسادسة عشرة يذهبون إلى هناك، يقعون ضحايا الشذوذ الجنسي والمخدرات وعصابات الإجرام وغير ذلك، ويرجعون أو لا يرجعون أحياناً، لكن إن رجعوا؛ رجعوا بلا دين، بلا أخلاق، بلا صحة، بلا مال، بلا شرف، بلا رجولة، بلا شيء، فأعلى نسبة في الإيدز هي هناك، ولكن السلطات هناك تتستر على هذه النسبة؛ لأنها لا تريد أن يقل عدد السواح، فلا تعطي الأرقام الحقيقية، لكن منظمات الصحة والمعاهد المختصة تؤكد أن أعلى نسبة للإيدز هناك، وفي مستشفياتنا هنا أعداد، والعجب كيف نتستر على هذه الأرقام؟! كيف نتستر عليها؟! يجب أن يعلم الناس أن هذا المرض لا يبالي بأحد، ولا يسأل المرض ما هي جنسيتك؟! ولا ما هي ديانتك؟! ولا من أي بلد أنت؟! ولا يبالي المرض إذا كانت ظروفك لا تسمح كخشية الفضيحة والأسرة والعائلة والأقارب والجيران، فهو لا يبالي بهذا كله، وكل هذا يهدد المخالفين لأمر الله عز وجل.

فاستجمع قواك، وتذكر أن طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لك، وأن القضية إنما هي على الضربة الأولى، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {الصبر عند الصدمة الأولى} إن الذي استسلم للشيطان وانقاد، فإنه يجد صعوبة، ومع ذلك نحن لا نغلق الأبواب، فمن الممكن أن الإنسان حينما جرب وذاق ألم العذاب بالمعصية؛ فإن هذا قد يكون من أسباب توبته إلى الله عز وجل وإقلاعه عما هو فيه، لأنه ربما أغراه قرناء السوء، وربما جره الشيطان، ولكنه لما ذاق عرف وجرب فتاب إلى الله عز وجل، وباب التوبة مفتوح.

وفي حديث صفوان بن عسال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن للتوبة قبل المغرب باباً مسيرة سبعين عاماً لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها} فمن تاب تاب الله عليه، {والله تعالى يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها} ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: {كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون} ويقول الله عز وجل: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015