الفرق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة

Q سألني بعض الإخوة عن الفرق بين الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، وقالوا: إنك فرقت في عدد من محاضراتك وكتبك بينهما.

فهل من دليل على التفريق بين الفرقة الناجية والطائفة المنصورة؟

صلى الله عليه وسلم أقول أولاً: لنفترض أن ما قلته خطأ، وأن الفرقة الناجية هي الطائفة المنصورة من غير فرق بينهما.

فهذا الاجتهاد مني إن كان خطأ فأنا أستغفر الله عز وجل منه وأتوب إليه، وأبرأ إلى الله تعالى من كل ما لا يوافق الكتاب والسنة، علمت ذلك أم لم أعلمه.

وهذا الخطأ لا يخل بأصل الاعتقاد والحمد لله، ولا يخرج الإنسان من مسمى أهل السنة والجماعة، ولا يترتب عليه شيء.

إنسان اجتهد فأخطأ، وإن شاء الله أنه باجتهاده لم يقصد إلا الصواب.

أما كلمة يقصد، ويعني، ويريد، فهذه نرجو أن نتفق على استبعادها، ونتركها للدار الآخرة، ونتركها لرب العالمين.

ومع ذلك أقول: لم أكن فيما أعتقد، وفيما أعلم، لم أكن أول من قال بذلك، بل الذي أظنه أن التفريق بينهما شائع معروف، وخذ على سبيل ذلك أمثلة: في صحيح البخاري في حديث الطائفة المنصورة لما تكلم معاوية رضي الله عنه مع أهل الشام في ذكر الطائفة المنصورة إنه: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين} قام مالك بن يخامر -من التابعين- فقال: [[إنه سمع معاذاً يقول وهم بالشام، فقال معاوية رضي الله عنه: هذا مالك بن يخامر وبه النسمة، يقول: إنه سمع معاذاً يقول: وهم بالشام]] .

قوله: وهم بالشام من المقصود؟ أليس المقصود الطائفة المنصورة؟! نعم.

المقصود الطائفة المنصورة.

إذاًَ: معاذ بن جبل ينقل أنهم بالشام، وينقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مالك بن يخامر يقول: وهم بالشام، معاوية رضي الله عنه لما احتج بهذا الحديث، ماذا كان يعني؟! كان يعني أن أهل الشام الذين كانوا معه هم الطائفة المنصورة في مقابل من؟! في مقابل أهل العراق؛ علي رضي الله عنه ومن معه بالعراق.

فهل تظنون بـ معاوية رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يعتقد أن علياً ومن معه، من الفرق الضالة الهالكة أهل النار!؟ حاشاه وحاشاه، وإنما كان يقول: نحن المنصورون وهم لن ينصروا.

وهكذا كان، لقد نصر أهل الشام كما هو معروف وآلت الدولة إلى بني أمية، فكانوا كما ذهب إليه معاوية رضي الله تعالى عنه أنهم كانوا هم المنصورين في تلك الفترة.

ولا يعني أنهم أولى بالحق من غيرهم، بل كان علياً -رضي الله تعالى عنه- ومن معه أولى بالحق من جوانب كثيرة.

لكن لله في خلقه شئون وحكم، والأمر لله من قبل ومن بعد.

فهذا أمر ظاهر أن معاوية رضي الله عنه لم يكن يريد أن يقول: إن علياً وأهله ومن معه وأهل العراق أنهم فرقة ضالة، وأنهم من أهل النار، وإنما كان الأولى أن يظن أنه كان يقول: إن الله سوف ينصر أهل الشام.

وقد استدل بعضهم بقول الله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} [الإسراء:33] على انتصار أهل الشام وغلبتهم، وذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وقرره في مواضع فيما لا مزيد عليه.

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تكلم في هذه المسألة، وأشار إلى هذا المعنى، بكلام ظاهره أنه فعلاً يرى أن الفرقة الناجية شيء والطائفة المنصورة شيء آخر.

فالفرقة الناجية هي أهل السنة والجماعة، الذين التزموا العقيدة الصحيحة حين انحرف أهل البدع عنها وضلوا فهم ناجون.

أما الطائفة المنصورة فهي فئة جادلت، وحاربت وقاتلت.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نص في الحديث -ونحن ينبغي أن نكون من أهل الحديث- أن الطائفة المنصورة يقاتلون أو لا؟ ما قال: يقاتلون.

والنصر يحصل لمن؟ يحصل للمقاتلين، لكن الذين ما قاتلوا، الذين تركوا القتال وقعدوا عنه، أو اعتزلوا باجتهاد منهم، أو لسبب أو لآخر، أو اشتغلوا بأي أمر من الأمور، وهم على عقيدة صحيحة، ومن أهل السنة والجماعة، لكنهم لم يقاتلوا، يجدر أن لا يكونوا من الطائفة المنصورة، وإن كانوا من الفرقة الناجية.

أرأيت إنساناً سليم الاعتقاد، صحيح العقل، صحيح العبادة، نقي السريرة، على مذهب أهل السنة في كل شيء، لكنه رأى فساد الزمان فقال: أنا أرى أن أعتزل الناس وأتركهم! فاعتزل في شعب من الشعاب، يعبد ربه ويدع الناس من شره، هل تستطيع أن تقول: إن هذا من الطائفة المنصورة؟! لا تستطيع، لأنه لا يقاتل، ولا يقاوم أصلاً، حتى يتحقق له النصر، لكنك تستطيع أن تقول: إنه من الفرقة الناجية؛ لأنه لم يأت بما يخشى أن يعوقه عن النجاة، وعندي على ذلك بعض الأدلة: منها أن الأصل أنه إذا اختلف الاسم؛ اختلف المسمى، فالرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الطائفة المنصورة باسمها، وذكر في الحديث الآخر {أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة} فإذا اختلف الاسم دل على اختلاف المسمى، والقول بتوحد المسمى مع اختلاف الاسم يحتاج إلى دليل ظاهر، خاصة وهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا اختلف الاسم، واختلف الوصف، فهنا النجاة، وهنا النصر، وهناك سماها فرقة وهنا سماها طائفة، والطائفة في الغالب أقل من الفرقة عدداً.

هناك كلام يطول، لكن هذا بعض ما حضرني، ومع ذلك لست أقول: إن هذا الكلام اجتهاد يجب على الجميع اتباعه، أنا مطمئن قلبي بذلك، وعندي أدلة من القرآن والسنة، وقد بسطتها أو شيئاً منها في كتاب صفة الغرباء لكن يمكن أن يكون اجتهاد في غير محله، ليس في الأمر ما يستدعي أن س يضخم هذا الأمر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015