وأنتم تعلمون أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه حصلت في زمنه أمور اضطرته أن يقول كما في صحيح البخاري أنه قال رضي الله عنه حين حوصر: [[أنشدكم الله -ولا أنشد إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حفر بئر رومة فله الجنة فحفرتها! ألستم تعلمون أنه قال: من جهز جيش العسرة فله الجنة، فجهزته!]] فصدقوه رضي الله عنهم وأرضاهم ورضي الله عنه لما قال.
وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو الإمام العالم الفذ، لما ضايقوه، وآذوه، ونسبوا إليه ما هو منه براء، ونسبوه إلى مخالفة السنة، ومخالفة الجماعة، وسب الأئمة، والخروج عليهم، وغير ذلك، اضطر إلى أن يقول كلاماً كثيراً، حتى أنني أتعجب كلما قرأت هذه الكلمة التي قالها! وهو يتكلم عن عقيدته العقيدة الواسطية يقول: " قلت قبل حضورها كلاماً، قد بعد عهدي به، وغضبت غضباً شديداً! لكن أذكر أني قلت: إن أقواماً كذبوا علي، وقالوا للسلطان أشياء، وتكلمت بكلام احتجت إليه، مثل أن قلت: من قام بالإسلام أوقات الحاجة غيري، ومن الذي أوضح دلائله وبينه؟! وجاهد أعداءه، وأقامه لما مات، حين تخلى عنه كل أحد، ولا أحد ينطق بحجته، ولا أحد يجاهد عنه؟! وقمت مظهراً حجته، مجاهداً عنه، مرغباً فيه.
فإذا كان هؤلاء يطمعون في الكلام فيَّ فكيف يصنعون بغيري؟! ولو أن يهودياً طلب من السلطان الإنصاف لوجب عليه أن ينصفه، وأنا قد أعفو عن حقي وقد لا أعفو، بل قد أطلب الإنصاف، وأن يحضر هؤلاء الذين يكذبون ليوقفوا على افترائهم، وقلت كلاماً أطول من هذا الجنس، لكن بعد عهدي به، فأشار الأمير إلى كاتب الدرج محي الدين أن يكتب ذلك ".
وقلت أيضاً: [[كل من خالفني في شيء مما كتبته فأنا أعلم بمذهبه منه، ولا أدري هل قلت هذا قبل حضوري أو بعده! لكنني قلت أيضاً بعد حضورها وقراءتها: ما ذكرت فيها فصلاً إلا وفيه مخالفاً من المنتسبين إلى القبلة، وكل جملة فيها خلاف لطائفة من الطوائف، ثم أرسلت من أحضرها، ومعها كراريس بخطي من المنزل، فحضرت العقيدة الواسطية]] .
فقد يحتاج الإنسان أن يقول كلاماً لا يخطر بباله، لكن بياناً لمن طلبه الحق، ومراده الصدق، وكشفاً للتلبيس عند بعض أصحاب القلوب الصحيحة.
نقطة أخرى أيضاً: هناك الحاسدون والحاقدون هؤلاء لا كلام لي معهم، ولا ينتظروا يوماً من الأيام أي رد عليهم، فالموقف معهم أكبر، وأشمل، وأخطر من أن يتصوروا أنه يحل بكلمة، أو بجلسة، إنه أخطر بكثير مما يظنون ويتصورون، لكنه ليس هنا إنما هو في موقف آخر، وفي مجلس آخر، وفي دار أخرى.