النقطة الأخرى: ولعلي أشرت إلى شيء منها، ولكن لا بأس أن أوردها مستقلة، هي: أن الواجب على طلبة العلم والمتحدثين، والدعاة إلى الله تعالى، وعلى سائر الناس، بل الواجب للمسلم على أخيه، أياً كان هذا المسلم، طالب علم أو غيره، داعية أو غير داعية، الواجب للمسلم على أخيه أن يأخذ الظاهر ويترك النية والمقصد إلى الله عز وجل، فلا يفسر كلامه إلا بظاهره، ويترك ما في القلب، وماذا يريد هذا الإنسان وما وراء الألفاظ، وما وراء العبارات.
وإنني أجد نفسي مضطراً أن أقول لكم ما أعلمه من نفسي: إني لا أعلم من نفسي الآن أنني أسعى في نصرة مذهب فقهي معين، على مذهب فقهي آخر، ولا اتجاه دعوي معين على اتجاه دعوي آخر، ولا شخص، ولا بلد، ولا طائفة، ولا غير ذلك.
وإنما يشهد الله أن الذي أعلمه من نفسي أنني عاشق للحق، متى ما عرفته فرحت به، وقلت به، ودعوت إليه، وأنني لا أسعى في قول، ولا فعل، لا في مجلس عام، ولا في خاص إلى نصرة مذهب، أو فريق، أو طائفة، أو شخص على آخر.
إنما أسعى إلى نصرة الحق الذي أعلمه، وكوني أخطأت في معرفة الحق، هذا وارد، بل هو واقع، وإن لم أستطع أن أحدد متى وأين أخطأت، إلا بتوفيق من الله تعالى، أو بمساعدة من إخواني، إلا أنني أعلم على سبيل العموم والإجمال أن هذا واقع لا شك فيه، بل هو كثير، ونسأل الله تعالى أن يعيننا على معرفة الحق واتباعه، ومعرفة الباطل واجتنابه.
هذا ما أعلمه من نفسي، ومع ذلك فقد يكون في القلب مسارد، وخفايا، وأسرار، وأمور، حتى الإنسان قد لا يكتشفها من نفسه، لكن الإنسان إذا لم يألُ نصحاً، وبذل وسعه فإنه {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7] .