بيان أن كشف الأخطاء ليس عيباً

أمر ثالث: أن دعاة الإسلام، وطلبة العلم هم أحوج الناس أن يكشفوا للناس قدرتهم على البوح بأخطائهم، والاعتراف بزلاتهم وسقطاتهم، وأنهم لا يرون في هذا عيباً ولا عاراً ولا حرجاً، فعلم الله أنني لا أجد في نفسي حرجاً أن أقول: إنني أخطأت في مسألة كذا، وفي مسألة كذا، وفي مسألة كذا، متى ما تبين للإنسان الخطأ بدليله، والصواب بدليله.

صحيح أن هذا لا يعني أن الإنسان سيلغي شخصيته، ويوافق الآخرين على ما يقولون أو ما يرونه؛ فهذا أمر ليس مشروعاً بحال من الأحوال، ولا يجوز للإنسان أن يعترف بشيء أنه خطأ وهو يرى أنه صواب.

لكن متى ما تبين أنه على خطأ؛ فإنه لا يجد في نفسه أدنى حرج -بحمد لله- أن يقول: هذا خطأ، أستغفر الله وأتوب إليه، وجزى الله من نبهني عليه خيراً.

وذلك أننا جميعاً بشر، ويجب أن نعرف أن الخطأ من طبيعة البشر، وهي صفة ملازمة لهم مهما كانوا، فضلاً عن أن الناس العاديين تكثر أخطاؤهم، خاصة مع كثرة ما يتحدثون به في الدروس، والمحاضرات، والمجالس، وغيرها فاحتمال الخطأ منهم وارد بل هو كثير.

وجزى الله جل جلاله كل خير من أعانني على معرفة خطأ، أو التعرف عليه، أو دلني عليه، وإنني أدعو الله له الآن، وحق له علي أن أدعو الله له بظهر الغيب.

أقول هذا وأنا في انتظار كل ما يأتيني منكم أيها الإخوة سواء عن طريق المراسلة، أو عن طريق الهاتف، أو عن طريق المشافهة، من الأخطاء التي ترونها، وأعتقد أن هذا دليل على أننا بدأنا نسلك الطريق الصحيح؛ لأن الأمة ما ضلت وزلت وهلكت، إلا يوم أسلمت قيادتها لأفراد في كل مجالات الحياة، فصارت مثلاً تنظر إلى شخص تقدره من الناحية العلمية فلا تقبل إلا قوله، ولا ترتضي إلا رأيه، ولا تقبل عليه اعتراضاً، ولو كان هذا الاعتراض مصيباً.

والواقع أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم كانوا في الذروة من العلم، والعمل، والصدق، والاجتهاد، والتجرد، وصحة القلب والعقل، وسلامة الرأي، ومع ذلك خَطَّأ بعضهم بعضاً في مسائل، وخالف بعضهم بعضاً في مسائل كثيرة جداً، وردَّ بعضهم على بعض، ولم يكن ذلك تنقصاً لمن أخطأ، ولا تضليلاً له، ولا تبديعاً، ولا تفسيقاً، ولا تكفيراً، بل هذا خطأ وقع فيه فلان يصحح له، وهذا صواب من فلان، وكما قال الإمام الشافعي رحمه الله: " قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب".

وطالما رجع أهل العلم في مسائل بعد مناظرات إلى ما ذهب إليه مناظرهم وخصمهم.

فنسأل الله تعالى أن يوفق الجميع إلى معرفة الحق واتباعه، وأن يكون الحق رائدهم، وطلبهم، وبغيتهم، لا يقدمون عليه شيئاً، لا نفساً، ولا أهلاً، ولا مالاً، ولا بلداً، ولا شيئاً، إنما يعشقون الحق، فمتى ما ظفروا به فرحوا، فظهر الفرح والبشر في وجوههم، وعلى قسماتهم، وفي محياهم، فطاروا به وتحدثوا به، كالإنسان الذي ظفر بشيءٍ نادر ثمين، فهو لا يستطيع أن يخفي فرحته، بل كالطفل الذي يظهر بشيءٍ يحبه فيتحدث بوضوح، وبانبساط، وباسترسال عن فرحه الغامر بهذا الشيء الذي ظفر به! ينبغي أن نفرح بالحق متى عرفناه، ولا نجامل في هذا الفرح أو نستره، بل نعلنه لأنه من نعمة الله تعالى التي تحدث بها {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:11] .

أيها الأحبة وبعد هذا التمهيد لا أزعم أنني سوف أقدم لكم الآن كبير شيء من الملاحظات، أو المراجعات، أو التصحيحات، وذلك بأنني أعدكم إن شاء الله وعداً أرجو أن لا أخلفه أنه خلال شهرين سوف أقدم لكم الحلقة الثانية من المراجعات، وسوف تكون مخصصة لذكر ما وقفت عليه، أو نبهت إليه من اجتهادات لم يحالفها الصواب، أو أحاديث استشهدت بها وليست صحيحة إما أن تكون ضعيفة أو غير ذلك، أو أقوال، أو أشياء أرى أن من الضروري التنبيه عليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015