ظهور الأخطاء عن طريق الآخرين

وأمر آخر يدعو إلى طرح مثل هذه المراجعات بين الحين والآخر، وهو: أن الإنسان قلما يكتشف خطأه بنفسه، وإنما يساعده على اكتشاف خطئه الآخرون، من الأعداء، أو من الأصدقاء! فأما الأصدقاء فهم كالمرآة يكتشف الإنسان فيها نفسه، ومحاسنه، وعيوبه، ولذلك قال القائل: شاور سواك إذا نابتك نائبة يوماً وإن كنت من أهل المشورات العين تبصر فيها ما دنا ونأى ولا ترى نفسها إلا بمرآة فصديقك كالمرآة، وقد جاء في حديث فيه نظر: {المؤمن مرآة أخيه} .

أما الأعداء فهم يجهدون في البحث عن العيوب والزلاَّت، ويظنون أنهم بذلك يحطون من قدر الإنسان، وهم في الحقيقة يرفعون منزلته، لأنهم يساعدونه على معرفة أخطائه وعيوبه، ويعينونه على التخلص منها، ولذلك دعا لهم الشاعر الحكيم فقال: عداتي لهم فضلٌ عليَّ ومنة فلا أبعد الرحمن عني الآعادي هُمُ بحثوا عن سوءتي فاجتنبتها وهم نافسوني فاكتسبت المعالي وما رأيك بإناء يتظافر على غسله وتنظيفه العدو والصديق، والمحب والمبغض؟! لا بد أنه سينظف بإذن الله ويتطهر يوماً من الأيام.

ومن حق هؤلاء وأولئك أن تشعرهم بالامتنان على ما يفعلون، وذلك من خلال مثل هذه المجالس التي يتاح لك فيها أن تقول: نبهني أخٌ كريمٌ محب على أنني أخطأت في مسألة كذا، وأنا أستغفر الله تعالى وأتوب إليه، فيتشجع هذا الأخ على أن يعاود مراسلتك، أو مهاتفتك، أو مشافهتك بما يجد عليك من خطأ؛ لأنه رأى أنك تجاوبت معه، وأنك ممنون مسرور من ذلك الخطأ الذي نبهك عليه، أو من ذلك التنبيه الذي نبهك عليه، ولذلك كانت هذه المراجعات أيضاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015