يتكلم الكثير عن الهدنة وشروط الهدنة وما يتعلق بها، من الناحية الفقهية، وأقول: يجوز للمسلمين عقد الهدنة مع عدو يحتاجون إلى الهدنة والمصالحة معه بأربعة شروط: الشرط الأول: أن يكون الذي يعقد الهدنة هو الإمام أو نائبه -الإمام الذي اختاره المسلمون وعينوه لهم، أو نائبه وهو راضٍ، يحكم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو ممثل حقيقي للمسلمين؛ وهذا الذي يحق له أن يعقد الهدنة.
الشرط الثاني: أن تكون الهدنة لمصلحة المسلمين كالعجز عن القتال -مثلاً- أما إذا كان المقصود من الهدنة -مثلاً- مصلحة الكفار، كما هو الحال بالنسبة لهذه الهدنة؛ فهي في مصلحة الكفار -وليست هدنة في الحقيقة- وإنما تسميتها هدنة في الواقع أنه قلب للحقائق؛ لكن عموماً إذا كانت لمصلحه الكفار؛ فلا يجوز؛ كما أنها إذا كانت لمصلحة أطراف أخرى يخافون على أنفسهم، أو على أموالهم أو على كراسيهم ومناصبهم، فإنها لا تكون حينئذٍ هدنة صحيحة.
الشرط الثالث: أن تكون مدتها محددة بزمن، حتى قال كثير من الفقهاء، لا يجوز عقد الهدنة أكثر من عشر سنوات؛ لأنها أقصى مدة عقد النبي صلى الله عليه وسلم فيها صلحاً مع قريش في الحديبية؛ أما الذي يجري الآن، فإننا نغالط أنفسنا كثيراً إذا قلنا هذا صلح أو هذه هدنة! إن هذا نزع للعداوة أصلاً من قلوب المسلمين، فهل نحن في حرب مع اليهود الآن؟! هل نحن في معركة؟! منذ زمن طويل، منذ أكثر من خمس عشرة سنة، ما قامت معركة حقيقية مع اليهود، إلا ما يقوم به اليهود من جولات آمنة على الأجواء العربية، ويهاجمون لبنان أو غيرها متى شاءوا؛ وأما هم فإنهم بمنجاة منا ولم يتعرض لهم أحد، قد يتسلل جندي فيقتل من هنا أو من هناك، هذا كل ما يفعل الآن.
فنحن لسنا في حالة حرب حقيقية مع اليهود؛ حتى يُطالب بمصالحة معهم، ثم هذا الذي يتم الآن هو عبارة عن نوع من الاعتراف الحقيقي بالوجود الدائم لليهود، وأنهم جزءٌ من هذه المنطقة، وأن لهم الحق في البقاء فيها، وأنهم ينبغي أن يكونوا مع العرب ومع المسلمين تكاملاً ثقافياً واقتصادياً وسياسياً إلى غير ذلك، نغالط أنفسنا إذا تصورنا غير هذا، ولذلك قال العلماء: إن عقد هدنة مطلقة يعني: إلغاء الجهاد وأقول: أي إلغاءٍ للجهاد أعظم من هذا، ونحن نعلم أن مواثيق الأمم المتحدة تقتضي عدم اعتداء أي دولة على حدود جيرانها، وأن هذا الاعتداء يعتبر تعدياً تتدخل بمقتضاه الدول الأخرى الكبرى وغيرها لمنع هذا الاعتداء، فهذا إلغاء واضح للجهاد، والتوقيع عليه إقرار بإبطال الجهاد، ونحن لا نقول للناس: جاهدوا الآن وهم لا يملكون الجهاد؛ لكن نقول: لا يجوز لمسلم أن يعترف بأن الجهاد باطل الآن أو منسوخ، وإذا ظن إنسان أن الجهاد منسوخ أو أنه لا جهاد في الإسلام، فإنه يكون كافراً بذلك؛ لأن الجهاد من الشرائع الظاهرة المستقرة المتواترة، التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة من الخلف والسلف، فعقد صلح دائمٍٍ، يعني إلغاء الجهاد، وإذا تصورنا أن العدو الوحيد الآن: هو إسرائيل كما يتصورون ويعبرون فإذا جلسنا معها على مائدة المفاوضات والسلام، فمعنى ذلك كأنه لا قتال، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: كذبوا، كما في الحديث الصحيح، الآن جاء دور القتال ولا يزال الله عز وجل يزيغ قلوب أقوام للطائفة المنصورة ويرزقهم منهم، لكن هكذا هم يزعمون وهم يتصورون.
إذاً: الشرط الثالث أن تكون الهدنة محدودة بزمن معين.
الشرط الرابع: أن يخلوا عقد الهدنة من شرط فاسد، وذلك كشرط معاونة الكفار على إخوانه المسلمين، وهذا لعله أن يكون موجوداً في عدد من المهادنات والمصالحات، التي تعقد اليوم وأمس وغداً، ويحتج البعض بصلح الحديبية، إلا أنه في صلح الحديبية جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة أصلاً، وعقد صلحاً مع المشركين لمدة معينة، لا تتجاوز عشر سنوات، ويحتج بعضهم باليهود أيضاً، والرسول هو الذي جاء إلى المدينة وهاجر إليها والإسلام كان ناشئاً فيها، واليهود يدّعون ويزعمون أنهم أصحاب حق أصلي في الحارات والأحياء التي يسكنونها؛ فبمقتضاه عقد النبي صلى الله عليه وسلم معاهدة مع اليهود، كان الحاكم فيها هو النبي صلى الله عليه وسلم، وكان اليهود مطالبين بموجبها أن يرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أي شجار يحدث بينهم، ومطالبين بموجبها بالدفاع عن المدينة ضد أي اعتداء فلما خانوا أجلاهم الرسول من المدينة.