هل السلام يقوي العرب على حرب إسرائيل؟!

الحجة الثانية: يزعم البعض أن السلام ليس منزلاً من السماء، وأنه إذا تقوى العرب يستطيعون أن يحاربوا إسرائيل، فلا مانع أن يعقدوا الآن سلاماً وبعد ذلك يحاربون إسرائيل وهذا شيء عجاب! لأنني أقول: ليس هناك ما يدعو لاستعداد وأن يتقوى العرب إذا عقدوا معاهدة الصلح والسلام مع إسرائيل، إننا نعلم أن العرب خلال أكثر من خمسٍ وأربعين سنة كانوا في حالة حرب مع إسرائيل، وخاضوا فيها عدة معارك حامية الوطيس، ولا يزالوا يعتبرون إلى الآن في حالة حرب، قبل المفاوضات؛ مع ذلك لم يتقووا على الرغم أن الإمكانية في الماضي على التقوِّي والتسليح أكثر منها في الحاضر، فكانت إمكانية حصول العرب على السلاح -مثلاً- في ظل ما يسمى بالحرب الباردة بين روسيا وأمريكا، كانت إمكانية حصول المسلمين على السلاح أو العرب أقوى.

أما الآن فبعد أن زال التوازن الدولي وسقطت الإمبراطورية السوفيتية؛ صار الحصول على السلاح أصعب، وفي نفس الوقت لم يعد العرب يشعرون بأهمية كبيرة للحصول على السلاح؛ لأنهم قد عقدوا معاهدة سلام مع إسرائيل، فكيف يظن الآن أنهم سوف يتقوون بعد ما أبرموا تلك الاتفاقيات؟! ثم إن السلام يعني أن يتحالف اليهود مع شركائهم في مقاومة أي توجهٍ إسلامي في البلاد العربية، والقضاء على ذلك، وهذا هدف مشترك للجميع! فلا يتصور أبداً أن العرب سوف يحصلون على السلام أو إنهم سوف يعملون على أن يتفقوا في ظل مثل هذه الظروف، كما أننا نعلم أن بعض المتحدثين عن السلام والمطالبين به يقولون: إن السلام فرصة للإنفاق على ما يسمونه بالتنمية، يقولون: إننا نريد أن نقلل من نفقات الدفاع والتسليح، لماذا؟ قالوا: نريد أن ننفق على التنمية نريد للناس أن يأكلوا الخبز والعيش، فقد ماتوا؛ لذلك عقدنا السلام حتى نقلل من نفقات التسليح ونوجهها إلى التنمية! فإذا كان الأمر كذلك فكيف نظن أن السلام -كما قالوا قبل قليل- فرصة للتقوي على العدو، إذا كانوا يعتبرونه فرصةً لتقليل التسليح؟! ولعله ليس سراً أن تعلموا أن شروط بوش بعد حرب الخليج في نزع السلاح من دول الشرق الأوسط، أن هذه الشروط لا تمس إسرائيل من قريب ولا من بعيد، لأنها لا تتحدث عن الأسلحة المتطورة التي يملكها اليهود، وإنما تتحدث عن الأسلحة التي يحاول العرب -أحياناً- أن يمتلكوها؛ فشروطه تزيد الضعيف ضعفاً ولكنها تسمح لإسرائيل أن تكسب مزيداً من الأسلحة النووية، وما يسمى بأسلحة الدمار الشامل.

إذاً: هناك تناقضات بين من يطالبون بالسلام من أجل التسليح، وفى نفس الوقت يطالبون به لمزيد من الإنفاق ما يسمونه بالتنمية، كما أن هناك من يقولون: إن لإسرائيل حقاً تاريخياً في البقاء في هذه الأرض , إن لليهود حقاً تاريخياً للبقاء في أرض فلسطين.

وأقول: أولاً: الوجود في فلسطين هو لأتباع الأنبياء الصادقين، سواء كانوا أتباعاً لموسى أو لداود أو لسليمان أو لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فليست القضية هي قضية يهود؛ وإنما قضية أتباع الأنبياء والرسل؛ ولهذا قال موسى عليه الصلاة والسلام لقومه: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128] إذاً: ليست العاقبة لليهود باعتبارهم جنساً معيناً أو عرقاً معيناً، أو في عروقهم دم، لا! فالعاقبة للمتقين، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده، يورثها المتقين كما هو ظاهر هذه الآية ونصها وروحها.

إذاً: فلسطين وغيرها من البلاد هي لله يورثها من يشاء من عباده، وهى وراثة للمؤمنين المسلمين الصادقين كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105] .

أمر آخر إن بقاء مجموعات وحفنات من أهل الكتاب من اليهود أو النصارى أو غيرهم، تحت ظل حكم إسلامي في أرض هم مقيمون فيها أصلاً، هذا أمر ممكن وقد جاء النبي إلى المدينة وفيها يهود فأقرهم بمقتضى معاهدة أبرمها معهم، كما هو معروف في السيرة وله دلائل تشهد على ثبوته وصحته.

فمن الممكن أن يقر المسلمون وجود حفنات من اليهود أو النصارى، تحت ظل حكم إسلامي وفق الشروط الشرعية، كالشروط العمرية وغيرها، -وهذا تكلم عنه الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى تفصيلاً في كتابه أحكام أهل الذمة أما أن يكون الحكم لليهود وأن يكونوا في حالة حرب مع المسلمين أيضاً؛ فإن هذا لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال.

نقطة ثالثة: إذا كان الأمر كذلك وكانت المسألة مطالبة بحقوق تاريخية؛ فمعنى ذلك أنه يجب على الشعب الأمريكي الذي يدعم إسرائيل الآن بلا حدود، ويتفانى في خدمتها؛ يجب على الشعب الأمريكي إن يخلي الولايات المتحدة الأمريكية، ويذهب إلى أماكن وجوده الأصلية في أسبانيا وبريطانيا وألمانيا وغيرها، ويترك أمريكا للهنود الحمر، وغيرهم ممن كانوا مقيمين فيها أصلاً؛ وعلى ذلك يجب إعادة خريطة العالم من جديد؛ إلى ما كان عليه قبل ألف سنة أو قبل عشرة آلاف سنة!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015