تمزيق العرب إلى دويلات صغيرة مفككة

هناك مكاسب أخرى كثيرة لا يمكن حصرها لإسرائيل، وفي المقابل خسائر عربية منها -مثلاً- دخول كل دولة من الدول -على حدة- ومفاوضتها لإسرائيل دون الدول الأخرى؛ وبكل تأكيد فإن هذا التمزق الذي حصل، لن يتمكن العرب معه من استرجاع هويتهم الجماعية بعد المؤتمر، فقد دخلوا المؤتمر كدولة مستقلة -كل دولة لا علاقة لها بالأخرى- واستطاعت إسرائيل أن تقنع أمريكا بشيءٍ كهذا، بعد أن كان العرب منذ زمان يتكلمون عن الحلول الانفرادية، وأنها مرفوضة؛ قبلوا وجلسوا على مائدة المفاوضات مع إسرائيل على انفراد؛ فذابت بذلك شخصيتهم الجماعية.

ونحن نتكلم عنهم كما يتكلمون هم عن أنفسهم باعتبارهم عرباً، لأنه كما سبق وأسلفت: الإسلام لم يدخل المعركة لا هنا ولا هناك، لذلك ينبغي أن نعرف أن إسرائيل تحرص على تفتيت الدول العربية -أكثر مما هي عليه الآن- إلى دويلات صغيرة، وقد جاءت تقارير عديدة تؤكد ذلك، أقرأ عليكم مقالاً في غاية الغرابة للدكتور عبد الله بن فهد النفيسي، تعجبت وذهلت بعد أن قرأته! وإن كنت لا أستطيع أن أقرأ عليكم الموضوع كاملاً لحساسيته؛ لكني أقرأ ما يتعلق بهذا الموضوع منه يقول: " إسرائيل والخليج على صهوة الكلمة " هذا المقال أعتقد أنه سنة ألف وأربعمائة وستة يقول موسى شاريت -رئيس وزراء إسرائيل الأسبق- في مذكراته: " أنه لكي تبقى إسرائيل لابد من تحقيق هدفين هامين: أولهما: أن تصبح إسرائيل قوة إقليمية مهيمنة، تتمتع دائماً بالتفوق العسكري على العرب.

وثانيهما: أن تفرض إسرائيل تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة ضعيفة ومفككة ".

لقد كتب شاريت هذا الكلام في الخمسينات، ومن يتفحص واقع الصراع العربي الإسرائيلي؛ لا يحتاج إلى كثير ذكاء لكي يعرف أن إسرائيل نجحت في تحقيق الهدف الأول نجاحاً واضحاً، وأنها مستمرة في تحقيق الهدف الثاني لقد صرح شاريت وكذلك بن غوريون وطرحوا عدة أفكار لتحقيق الخطوة الثانية -أي تقسيم المنطقة الإسلامية إلى دويلات صغيرة ضعيفة ومفككة- تارة تحت شعار طائفي أو عرقي أو غير ذلك، فلقد طرحوا آراء لتقسيم لبنان، وسوريا، والعراق والأردن ومصر … إلخ.

إذاً: هم يعتبرون من أهم مكاسبهم تمزيق العرب إلى دويلات صغيرة مفككة ومشتتة، بل ومتناحرة فيما بينها، وتمزيق المسلمين كذلك، وإيجاد التناقضات بينهم.

وهذا ما حصل في المؤتمر فقد دخلت كل دولة من الدول العربية على حدة، وكانت إسرائيل غير ملزمة أن تتفاوض مع الجميع، فتتفاوض مع من تريد وترفض مفاوضة من لا تريد، فمن الممكن جداً أن ترفض مفاوضة الفلسطينيين -مثلاً- أو السوريين أو أي طائفة أو دولة لا ترضى بالمفاوضة معها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015