نقطة ثالثة ننتقل إليها وهي اليهود والسلام: يتساءل البعض عن مدى استعداد اليهود من السلام وموقف اليهود للسلام، وهل عند اليهود استعداد لعودة الفلسطينيين إلى أرضهم؟ هذه قضية تبدو من خلال بعض التصريحات، وبعض الأقوال لزعماء يهود قدماء ومعاصرين وكأن إسرائيل تدعو فعلاً إلى سلام؛ لكن هذا السلام الذي تدعو إليه إسرائيل، سلام يقوم على الاعتراف بالأمر الواقع، سلام يتمثل في وجود إسرائيل على الأرض العربية في فلسطين، ولا يمكن أن يدخل ذلك في منهج المفاوضات؛ إنها ترى أن على العرب أن يعترفوا بهذا الوجود، وأنه وجود شرعي قانونيٌ، وقد عبر زعماء إسرائيل كما ذكرت -عن ذلك في أكثر من مناسبة، منهم زعماء قدماء، ومنهم زعماء حاليون.
فـ ابن غوريون -مثلاً- عام (1957م) تكلم أو سُئل عن عودة قسم من الفلسطينيين العرب إلى أرضهم، فأجاب: إن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الوراء، إن إسرائيل لا يمكن أن تقبل أياً من اللاجئين، إن الحل العادل الوحيد الممكن هو في إسكانهم في المناطق الخالية من السكان، الغنية بثرواتها الطبيعية في سوريا، والعراق وغيرها يقول: لا يمكن أن يعودوا، أما مائير فقد أعلنت أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام (1960م) أن إسرائيل تعلن -بكل صراحة وبساطة- أنها لا يمكن أن تسمح بعودة أي لاجئ إلى أراضيها.
أما آشكول الذي خلف ابن غوريون على أساس أنه يرغب في السلام مع العرب، وأنه معتدل لا يحب الحرب فقد أعلن أن إسكان اللاجئين في البلاد العربية هو الحل الوحيد الذي يتفق مع مصالحهم الأساسية ومع الواقع وكذلك مع مصالحنا، يعني مع مصالح إسرائيل، مع مصالح اليهود، وقال: إنه لم تحل مشكلة لاجئين كبيرة في التاريخ الحديث بإعادتهم إلى مواطنهم الأصلية، لم يحصل ولا مرة واحدة أن اللاجئين حلت مشكلتهم بأن عادوا إلى موطنهم الأصلي، بل يمكن أن يبحث لهم عن مكان آخر خالٍ وملائم ليقوموا هم بتعميره، ويكون بذلك يعيشون في راحة واطمئنان.
فإسرائيل ترفض أي تعديل في حدودها مع الدول العربية، ويقول أحد المراسلين -نقلاً عن أحد المسئولين اليهود-: إنه على استعداد لمقابلة أي مسئول عربي في أي مكان وفي أي وقت، ولكنه يؤكد -في الوقت ذاته- أنه لن يتنازل عن إصبع واحد من أرض إسرائيل، ولن يسمح للاجئ واحدٍ بالعودة إلى أرضه، نقلاً عن مجلة اللوموند الفرنسية.
ولذلك من البديهي أن إسرائيل ترفض أن تبحث موضوع احتلال القدس، وتصر على أنها أرض إسرائيلية؛ بل إنها عاصمة إسرائيل إلى الأبد، وقد رفضت قرار هيئة الأمم المتحدة التي أصدرته عام (1967م) بل تطالب بحقوق كاملة في المرور عبر قناة السويس، كما تطالب بإنهاء المقاطعة الاقتصادية العربية، وتوسيع حدودها التي كانت لها عام (1967م) .
إن إسرائيل تريد سلاماً وفق شروطها هي؛ فهي على استعداد دائم للسلام! ولكنها لم تقدم أي تنازلات مهما كان نوعها، وقد تأكدت هذه الاتجاهات مؤخراً في إسرائيل وصار الخلاف بين إسرائيل على التكتيك -كما سوف يأتي بعد قليل- فإسرائيل تسعى إلى اكتشاف سبيل يمكن ألا يؤدي إلى توتر في المنطقة، يعني: من أجل السلام، فإن إسرائيل لا ترى أن تتخلى هي عن شبر من الأرض الإسلامية أو تستقبل أي لاجئٍ يعود إلى أرضه… كلا! لا هذا ولا ذاك، وترى أن ما يمكن أن يساهم في إحلال السلام، وإحلال السلام بالطريقة الإسرائيلية في امتلاك قوة رادعة عند اليهود.