نظام الأمن الجماعي

إن من أبرز الملامح التي سوف يشهدها النظام الدولي الجديد؛ ما يسمى بنظام الأمن الجماعي، وذلك بقيادة الولايات المتحدة فقد صارت ذات دور فعال، حيث أرادت الدول الكبرى لها ذلك؛ فأمريكا مصممة -مثلاً- على حسم قضايا الصراع الدولي، خاصة تلك القضايا التي يهمها أن تحسم؛ وإلا فمن المعلوم أن أمريكا ذات ميزانين ومكيالين فهي تستطيع أن تتدخل -مثلاً- كما تدخلت في بنما أو غرينادا أو غيرها بدون أن يعترض عليها أحد، أو يحتج عليها أحد؛ لكنها في نفس الوقت تستخدم قوتها وتستخدم وسائلها -ومنها الأمم المتحدة- في منع أي تشابك أو تماس أو اضطراب تعتقد هي أنه ليس في مصلحتها، إنها تخشى من ولادة دول ذات طابع إسلامي، هذا أشد ما يخيف أمريكا.

ولهذا كان من أكثر الأشياء عناية الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي ومنطقة فلسطين وأفغانستان، فهذه المنطقة تعتبر في أولويات الاهتمامات الغربية؛ فأما فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي: فهاهو مؤتمر مدريد قد انعقدت المرحلة الأولى من جلساته، وفي انتظار مراحل تالية، هاهو الآن قد تبلور من خلال جولات طويلة متكررة لوزير الخارجية الأمريكي.

وأما فيما يتعلق بقضية أفغانستان؛ فإني أود أن أشير إليها ولو إشارة عابرة، لأن أمريكا مصممة على حل قضية أفغانستان بحلٍ سلمي، وعلى نزع البندقية من أيدي المجاهدين وبدون شك وبكل تأكيد فإنها سوف تحرص على منع كل صور الدعم للمجاهدين الأفغان، وسوف تحرص على وضع العراقيل والعقبات أمامهم وسوف تفوض بعض الدول الغربية والإسلامية والعربية أيضاً للقيام بهذا الدور ولا تستبعد أن يكون لإيران -مثلاً- دور كبير في قضية أفغانستان، خاصة مع وجود بعض المنظمات الشيعية التي ليس لها تأثير في الجهاد فتحرص على إبراز هذه المنظمات وعلى وجود حلول سلمية.

وقد انعقد في إيران مؤتمرٌ للقضية الأفغانية وتكلموا عن أحد قادة المجاهدين الذي يتميز بالقوة ويعتبرون أنه يعتبر متشدداً أو أصولياً، ودعوا إلى محاولة اغتياله كما سيروا وفداً إلى موسكو للمفاوضة، وقد صرح مسئول كبير في دولة مجاورة لأفغانستان بأن المجاهدين الأفغان عليهم أن يوقفوا القتال، وأن يفكروا جدياً في الجلوس على مائدة المفاوضات مع الحكومة الشيوعية العميلة في أفغانستان.

إذاً ضع في اعتبارك أن في قضية أفغانستان هناك مؤامرة دولية لحلها وإنهائها، وسرقة جهود أكثر من اثنتي عشرة سنة بذلها المسلمون، وإهداراً لهذه الدماء الغزيرة التي ضحى بها المسلمون على مدى هذا الزمن الطويل، وإهداراً لهذه الأموال الطائلة التي ذهبت إلى هناك، لماذا؟! لأن الهدف الذي تريده أمريكا لأفغانستان هو: أن تتحول إلى دولة علمانية، ولا تقبل -بحال من الأحوال- أن يستولي المجاهدون المسلمون عليها مهما كانت الأحوال، ومهما كان بينهم من التناقضات، ومهما كان فيهم من الضعف؛ بل ومهما كان عندهم من الخطأ لا يمكن أن تقبل بوجود حكومة إسلامية في أفغانستان.

فقضية أفغانستان من القضايا التي ينبغي أن نتوقع ونتتبع ونظن أنها ستكون في طريقها إلى الحل السلمي وسيكون هناك ضغوط كثيرة من دول مجاورة لأفغانستان وغير مجاورة، وغربية أيضاً لإنهاء هذا الوضع.

فالقضية الأولى في النظام الدولي الجديد -كما يسمونه- بقضية النظام الأمن الجماعي، وتهدئه المناطق الملتهبة والقضاء على مثل تلك الخلافات التي لا تطمئن لها أمريكا أو لا ترتاح إليها، ولا تعتقد أنها مثمرة بالنسبة لمصالحها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015