تعلق المرأة باللباس والزينة

إن كثيراً من النساء اليوم قد تعلقت قلوبهن بالدنيا وزخارفها، فأصبحت المرأة مفتونة -مثلاً- بملاحقة الموضات في الملابس والأزياء التي تصدرها بيوت الأزياء في العالم، وتعمل من وراء نشرها على تخريب أخلاق الناس، وإفساد مجتمعاتهم، وسلب أموالهم أيضاً، وغالب بيوت الأزياء يمتلكها أناس من اليهود المشهورين بالإفساد، والابتزاز، والتخريب، والحقد على الأمم والشعوب كلها وعلى الأمة الإسلامية بشكل خاص.

ومع هذا فانظري أيتها المسلمة كيف إقبال فتيات المسلمين اليوم على هذه الأزياء والموضات، انظري كيف إقبالهن على تلك المجلات التي ليس لها هدف إلا اطلاع المرأة على أحدث الأزياء والموضات التي تصدر في أوروبا، أو أمريكا أو غيرها من بلدان العالم، أو في بعض البلاد الإسلامية أيضاً، انظري كيف صار افتتان كثير من الفتيات بتسريحات الشعر، وصرف قدر كبير جداً من الوقت في تصفيف الشعر وتلميعه وترتيبه وتقصيصه، ومتابعة أحدث التسريحات في ذلك، والتي أصبحت هي الأخرى لها كتب ومجلات خاصة تعلم الناس وتعلم النساء ما يتعلق بذلك، وأصبحت المسلمة تحاكي الكافرات في تسريحات شعورهن.

فإن كانت الموضة تقصير الشعر سارعت المسلمة إلى تقصيص شعرها حتى لا يبقى منه إلا القليل، وإن كانت الموضة إطالته لبست شعوراً مستعارة تطيل شعرها، وإن كان تسريحه أو تصفيفه بطريقة معينة في أعلى الرأس أو في أدناه أو في أسفله؛ سارعت المرأة إلى هذا أو ذاك مسارعة الذي لا هم له إلا الزينة فقط، وليس من شك أن الزينة جزء من حياة المرأة، وأعني بالذات المرأة المتزوجة، لكن المشكلة تكمن في هذا الموضوع في عدة أمور: الأول: في كون هذا الأمر يأخذ من وقت المرأة أكثره، حتى إنه يصبح لا هم لها إلا أن تلبس ثوباً وتخلع آخر، وقد تستغني عن عدد كبير من الملابس لأن الموضة تعدتها، وتسرح شعرها بطريقة ثم تعدل إلى طريقة أخرى، وتصبغه اليوم بصبغ ثم تعمل على تلافي هذا الصبغ بصبغة أخرى حسب ما تمليه أوضاع المجتمعات الكافرة التي أصبح المسلمون يتلقون عنها، كذلك تفتتن المرأة بالسكن الجميل وبالسيارة الجميلة لزوجها، وبغير ذلك من المظاهر الدنيوية.

وفي هذا يجب أن نعلم أن الله تعالى أباح لنا حداً من هذا، قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:32] وفي صحيح مسلم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: {لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقام رجل فقال: يا رسول الله إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق -أي رده- وغمط الناس -أي احتقارهم وازدراؤهم-} فينبغي أن نفرق بين عناية المرأة وخاصة المتزوجة بقدر من التجمل لزوجها وكسب رضاه، ومساعدته على غض بصره وإعفاف فرجه، وبين المبالغة في هذا الأمر مبالغة تصل إلى حد الإسراف، فالإسراف في كل شيء مكروه وممنوع، حتى في أمور الخير، فما بالك بالأمور العادية، إن الإسراف فيها قد يتحول إلى نوع من العبودية لهذه الأشياء.

الأمر الآخر: أن كثيراً من النساء تستخدم هذه المظاهر وهذه الزينة أمام الآخرين، إما من النساء الأخريات، أو من الرجال، أما أمام النساء فغرضها أنها تجعل مجتمعات النساء سواء في الزواجات، أو في الاجتماعات العائلية، أو حتى في المدارس، أو في غيرها؛ تجعلها ميداناً للتنافس والسباق التجاري في هذه الأشياء، وتوجد القدوة للأخريات ببعض الأعمال التي قد لا تكون سائغة ولا مستحسنة من جهة الشرع، وأما إن كانت أمام رجال أجانب فهذه الأمور كلها تدخل في باب التحريم لما فيها من الإثارة وبعث الفتنة في صدور الرجال، فالمرأة تفتتن بهم وتفتنهم أيضاً.

وهذا كله من آثار تعلق القلب بهذه الدنيا، لأن الله تعالى وعدنا بجنة عرضها السماوات والأرض، وفيها من ألوان النعيم للرجل والمرأة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فالمرأة المؤمنة بهذه الجنة والتي تعلم أن مصير المؤمنين بعد موتهم إليها -بإذن الله تعالى- لا تبالغ في الاستمتاع بزينة الحياة الدنيا، وهي تتذكر قول الله عز وجل للكافرين يوم القيامة وهو يحشرهم إلى النار ويوبخهم بقوله: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأحقاف:20] وقد ورد عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه وهو من كبار الصحابة ومن أثريائهم أنه قدمت له وليمة من الطعام في أحد الأيام، فلما هم بأكلها فكر قليلاً ثم تنحى وبدأ يبكي، فجاءوا إليه وقالوا: -رحمك الله- ما يبكيك؟ فذكر رضي الله عنه حاله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كانوا عليه من الفقر، وشظف العيش، ثم ما صاروا إليه من الغنى، والترف، والتوسع في المأكولات، والمشروبات، والملبوسات وغيرها، ثم قال: أخشى أن تكون حسناتنا عجلت لنا في الحياة الدنيا.

ومن هذا الباب -أيضاً- أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر: {أن المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء} فما معنى هذا الحديث؟ ليس معناه والله أعلم أن الكافر له سبعة أمعاء في بطنه، والمؤمن له معي واحد، بل الخلقة هي في الغالب واحدة، والإنسان قد يكون اليوم كافراً وغداً يكون مسلماً، ولا يلزم من ذلك أن تتغير خلقته، وتختلف أمعاؤه بدلاً من كونها سبعة أصبحت واحده، وإنما المعنى -والله تعالى أعلم- أن المؤمن يقتصر في مأكله فيأكل بقدر لأن ما هو فيه من أمور الدين، والإيمان، والعبادة، والإقبال على الله، والطمع في الآخرة، يجعل اهتمامه بالأكل في حدود معينة.

أما الكافر فكل همه هذه الدنيا، ولذلك يأكل بنهم، ويشرب بنهم، ويقضي شهواته بنهم، لأن الفرصة الوحيدة التي يستمتع بها هي هذه الدنيا ولا فرصة له بعدها، فينبغي للمسلمة أن تحفظ قلبها من التعلق بالدنيا وزخارفها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015