إن الحمد لله نحمد ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أيها الإخوة مضى ذلك اليوم يوم عاشوراء, المبارك الذي كان يوماً من أيام الله تعالى, حيث نجى الله فيه موسى وقومه، وأهلك فرعون وقومه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر:75] ونسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن صامه وتقبل منه صيامه, إنه على كل شيء قدير.
في هذه الليلة -ليلة الحادي عشر من شهر الله المحرم من سنة (1413هـ) - ينعقد هذا المجلس المبارك في هذا المسجد في حي الإسكان بمدينة جدة, وقد طلب إليّ المقدم -غفر الله له- بعدما قرأ قصيدته أن أحثو في وجهه التراب, من قبِلَ أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، ولكن عذري أنه لا يوجد هاهنا تراب, والواجب يسقط مع العجز, ولكنني أحثو في وجهه وفي وجوهكم دعوات أسأل الله تعالى ألا يحجبها.
فأقول: اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأعنا ولا تعن علينا، وانصرنا على من ناوءنا, ووفقنا لما يرضيك عنا, اللهم أصلح سرنا وعلانيتنا, وظاهرنا وباطننا, اللهم تولَّ أمرنا, اللهم اهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور, اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً وعلماً نافعاً, وعملاً صالحاً متقبلاً, ورزقاً حلالاً واسعاً.
ثم أقول: كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: [[اللهم اجعلني خيراًَ مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون]] فإنني لا أقر ما ذكره المقدم ولا أوافق عليه, وقد طلبت منه وهمست إليه حذف بعض الأبيات على الأقل, لكنه اعتذر وأصر، فإنه مسئول عما قال, وأقول: هذا وإن كنت أعلم أن مدحه ومدح غيره لا ينفعني شيئاً ولا يضرني شيئاً أيضاً, فأما إنه لا ينفعني فإنما الإنسان بعمله, وأما إنه لا يضرني -إن شاء الله- فإنني أعلم في نفسي من الجهل والنقص والظلم ما جعلني لا ألتفت إلى ما يقوله عني الآخرون, -ولله الحمد- فلا أخشى على نفسي من شيء، وأنا أعلم أن فيها من المعايب ما لا تعلمون وما لا يعلمون, ويكفيني أني أعلم أن الذي مدحني لو علم من نفسي ما أعلم منها لما قال الذي قال, ولكنه قال ما قال أخذاً بالظاهر, والله تعالى يغفر لي وله.
أما بعد: فعنوان هذه المحاضرة هو: حقيقة التطرف، ولقد عولج هذا الموضوع كثيراً بأسماء شتى، سواء في محاضرات أم دروس, أم في كتب قديمة أو جديدة, ولعلي أذكر من الكتب القديمة التي عالجت جانباً من هذا الموضوع, كتاب الإمام الشيخ ابن تيمية رحمه الله: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، فقد عالج فصولاً من ذلك في غلو اليهود والنصارى وغلو هذه الأمة.
أما من المعاصرين فإنني أشيد بكتاب ضخم صدر أخيراً بعنوان: الغلو في الدين في حياة المسلمين المعاصرة، للأستاذ عبد الرحمن اللويحق , وهذا الكتاب هو بحق من أنفس وأحسن وأجمع ما كتب في موضوع الغلو, وسأتحدث في هذا الموضوع في نحو ست نقاط.
لماذا نناقش هذا الموضوع؟ وما مناسبة طرحه في هذه الظروف بالذات؟