النوع الثالث: من الأسماء المنهي عنها، هي: الأسماء التي يكون فيها معنى مكروه، وذلك مثل الأسماء القبيحة، وقد جاء في الحديث الصحيح عن أسامة بن أخدري، أن رجلاً قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عبد له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعبد -المولى-: ما اسمك؟ قال: اسمي أصرم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {لا، بل أنت زرعة} والحديث رواه أبو داود وسنده صحيح، وذلك لأن أصرم مشتق من الصرم وهو القطع، فهو معنى رديء يوحي بانقطاع هذا الإنسان وعدم وجود نسل له وما أشبه ذلك، فغير اسمه إلى اسم حسن جميل، وهو زرعة، مشتق من الزراعة والحرث وما أشبه ذلك.
وكذلك في صحيح مسلم عن ابن عمر، أن بنتاً لـ عمر كان اسمها عاصية، فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها وسماها جميلة، وذلك لأن اسم عاصية فيه قبح وكراهة، فغير النبي صلى الله عليه وسلم هذا الاسم.
وقد غير عليه الصلاة والسلام أسماء جماعة من الصحابة كان اسمهم (العاصي) منهم عبد الله بن عمر كان اسمه العاصي، وكذلك عبد الله بن عمرو بن العاص، وكذلك عبد الله بن الحارث كان اسمه (العاصي) ، فغير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم إلى (عبد الله) .
وكذلك رجل آخر كان اسمه العاصي بن الأسود، فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه إلى مطيع بن الأسود وهو والد عبد الله بن مطيع القائد المعروف، فغير النبي عليه الصلاة والسلام اسم (عاصي) أو (عاص) إلى (مطيع) ، أو إلى (عبد الله) تغييراً للاسم القبيح إلى ضده، إلى اسم حسن، كما غير عليه السلام أسماء كثيرة جداً كما ذكر ذلك أبو داود.
قال أبو داود في سننه: {وقد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء جماعة، كـ (العاصي) و (عزيز) و (غراب) و (شهاب) و (حباب) و (الحكم) و (حرب) و (المضطجع) و (عفرة) وسماه بأسماء حسنة جميلة} فمثلاً اسم أبي الحكم غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمه من أبي الحكم إلى أبي شريح، كما في الحديث الصحيح الآتي.
(المضطجع) غير اسمه إلى (المنبعث) ، عفرة هذا اسم أرض، غير اسمه النبي صلى الله عليه وسلم.
كذلك (شعب) وكان اسمه (شعب الضلالة) ، فغيره النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ورد في بعض الأحاديث أنه سماه (شعب الهدى) ، أو (شعب الهدي) أو ما أشبه ذلك.
بل كان جماعة من الناس يسمون بنو الزينة، أي: أن هذا الاسم يدل على أنهم من زنى، فغير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم، وسماهم (بنو الرشدة) ، يعني أنهم من نكاح صحيح لا من سفاح حرام، إلى غير ذلك من الأشياء التي غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماءهم.
وهذا يدل على أن الاسم القبيح الذي يدل على معنى رديء؛ ينبغي أن يغير، وبعض العوام يعتقدون أن التغيير لا يكون إلا بأن يذبح الإنسان شيئاً إذا غير اسمه، وهذا مجرد إشاعة انتشرت عند العامة، لا أعلم لها أصلاً في الشرع، ولا أعلم أحداً قال بها من أهل العلم، فيغير الاسم القبيح إلى اسم حسن، دون أن يترتب على ذلك طلب فدية، ولا كفارة ولا شيء من ذلك، ولم يرد في شيء من النصوص السابقة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بذلك.
هذه الأسماء التي غيرها النبي عليه الصلاة والسلام، إنما غيرها فراراً وكراهيةً من معانيها الرديئة؛ لما سبق من ارتباط الاسم بالمسمى، ولذلك جاء في الحديث الصحيح، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: -كما في صحيح البخاري وصحيح مسلم: {أسلم سالمها الله، هذه قبيلة أسلم، وغفار غفر الله لها، وعصية عصت الله ورسوله} فانظر كيف ناسب صلى الله عليه وسلم بين أسماء هذه القبائل وبين أحوالها، فأسلم قد أسلم كثير منهم، فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمسالمة، وكذلك غفار دعا لها بالمغفرة، أما عصية فهم الذين غدروا بأصحابه وقتلوا منهم؛ فدعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: {عصت الله ورسوله} .
ومن طريف ما يحكى في التفاؤل بالأسماء الحسنة، وكان عليه السلام يعجبه ذلك، وفي ذلك قصص كثيرة، لم أشأ أن أستدل بأشياء من القصص المروية عن الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنني أود أن أقتصر فيما يتعلق بالرسول عليه الصلاة والسلام على ما صح وثبت بسند صحيح، لكن أذكر بعض الروايات المتعلقة بغيره باختصار: فمما يحكى من ذلك أن حليمة السعدية؛ التي أرضعت الرسول صلى الله عليه وسلم، جاءت إلى مكة لطلب الرضاعة، فلما وقفت على عبد المطلب قالوا: من أنتِ؟ قالت: أنا حليمة، قالوا: ممن أنت؟ قالت: من بني سعد، فقال عبد المطلب: حلم وسعد ما أحسن هذان! في هذين غناء الدهر، ودفع إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك يحكى أن الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه لما ذهب إلى كربلاء، ونزل بها سأل عن اسمها، فقيل له: هذه كربلاء، فقال: فيها كرب وفيها بلاء، وفيها حصل فعلاً المقتلة العظيمة، حيث قتل رضي الله عنه وطائفة كبيرة من جنده الذين كانوا معه، فهذا أيضاً يدل على ضرورة تغيير الأسماء السيئة إلى أسماء حسنة تدل على معانٍ جملية.