إن دعوة الإسلام دعوة تاريخية، عمرها طويل، ولم يكن انتصارها ذلك الانتصار الموقوت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بل انتصار الأبد وانتصار الدهر، وعلى رغم مضي ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة على دعوة الإسلام، على دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أنها تظل طيلة هذه السنين قائمة، قوية، تصارع العوادي، وتقاوم الأحداث.
وهاهو الإسلام اليوم في قلب أوروبا، يقض مضاجع الغربيين، فيتواطئون ضد حفنة من أبناء الإسلام في أرض البوسنة، ويسلمونهم إلى عدوهم بلا سلاح، على رغم أن وسائل الإعلام الغربية كلها: مسموعها، ومرئيها، تعرض صباح مساء، لتلك الجرائم البشعة، وهذه المآسي المفجعة، وهذه الوجوه التي قد أمضتها الجراح والآلام، مآسي الكبار، مآسي العجزة، والشيوخ، والنساء، والأطفال، مآسي الجوع، والفقر، والمرض، ومع ذلك كله يتواطأ هؤلاء ضد حفنة من أبناء الإسلام، وأوليائه، لماذ1؟! إنهم لا يتآمرون ويتحالفون إلا على الأقوياء، أما الضعاف فيمكن هزيمتهم بأقل من ذلك، نعم يكفي قوة للإسلام أن بلداً نائياً كذلك البلد، لم يكن جمهور الناس يعرفون أن فيها مسلمين أصلاً، ولا يدرون أن فيها مساجد تاريخية أعمارها أحياناً تزيد على ستمائة أو سبعمائة سنة، وأن فيها ملايين من أهل لا إله إلا الله، وإن كان حيل بينهم وبين معرفة حقيقتها في كثير من الوقت.
يكفي في قوة الإسلام أن قوماً كهؤلاء عزلاً من كل سلاح، يظلون على ما يزيد على عشرين شهراً يقاومون رابع جيش في العالم، مدججاً بأقوى الأسلحة، وهم يواجهون الرصاص بصدور عارية، ويصبرون على رغم اللأواء التي لم يكن أحد يتوقع أن يصبروا عليها شهراً، أو بضعة أسابيع.