لقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة البلد التي نشأ فيها، وأحبها، وعرف فضلها، ولذلك خرج عليه الصلاة والسلام وقلبه يلتفت إلى تلك البقاع الطيبة الطاهرة، فلما غادرها وقف بالحزورة، وهو مكان قريب من البيت العتيق، ثم التفت إلى مكة، وقال: {والله إنك لخير بلاد الله، وأحب البلاد إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت} والحديث رواه الترمذي والحاكم وغيرهما عن عبد الله بن عدي بن الحمراء، وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو حديث صحيح.
يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فيطيب الرب عز وجل قلبه، ويدله على أنه خرج من مكة اليوم شريداً طريداً، وسوف يعود إليها غداً فاتحاً منصوراً مظفراً: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص:85] قال المفسرون: في هذه الآية بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سوف يعود إلى مكة قاهراً لأعدائه، منتصراً عليهم، وهذا قول الأكثرين كما قال القرطبي: وهو مذهب جابر، وابن عباس، ومجاهد، ومقاتل، وغيرهم من المفسرين {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص:85] أي: مرجعك إلى مكة مرة أخرى، كما خرجت منها، وقيل المعنى: لرادك إلى الجنة، وقيل المعنى: لمتوفيك بعدما تستوفي عمرك في هذه الدنيا.
خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة مكرهاً، بسبب الحصار على دعوته، وبسبب المضايقة لأصحابه، وعاد إليها بعد ثمان سنوات فحسب، عاد إليها في كتيبة خضراء من المهاجرين والأنصار، لا يرى منهم إلا حدق العيون، يُفَدُّون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنفسهم، وآبائهم، وأمهاتهم: كذبتم وبيت الله نُبزى محمداً ولما نقاتل دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع دونه ونذهل عن أبنائنا والحلائل نعم جاء نصر الله والفتح، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، كما وعد ربه عز وجل وفي هذا وقفة: