ثانياً: الحدث الكبير: {إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة:40] .
هذا الموكب المتواضع، الذي لا يزيد على ثلاثة أفراد، أحدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والثاني صاحبه في الغار، الذي خلد الله ذكره، ورفع قدره، فأشار إليه في القرآن {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ} [التوبة:40] .
والثالث: دليلهم عبد الله بن أريقط، هذا الموكب المتواضع، قد وقف التاريخ كله مشدوهاً، متجهاً، قبالة هذا الموكب، يرقبه، وينظره، ويسجل أحداثه لحظة فلحظة، وساعة فساعة، إنه موكب كبير مهيب، لقد نسي الناس كل الأحداث الكبرى، والمعاصرة لذلك الحدث، فنسوا المعارك الطاحنة، ونسوا الدول الكبيرة، ونسوا التغيرات الجذرية التي طرأت على أمم الأرض، وحضارتها، ليرقبوا ويدوّنوا ويسجّلوا في ذاكرتهم هذا الحدث، وهذا الخبر، خبر ذلك الشريد الطريد الذي غادر مكة فغير التاريخ بإذن الله العزيز الحكيم.
يا طريداً ملأ الدنيا اسمه وغدا لحناً على كل الشفاه وغدت سيرته أنشودة يتلقاها رواة عن رواه ليت شعري هل درى من طاردوا عابدو اللات وأتباع مناه هل درت من طاردته أنها أمة معبودها شاهت وشاه طاردت في الغار من بوأها سؤدداً لا يبلغ النجم مداه طاردت في البيد من شاد لها دينه في الأرض جاهاً أي جاه سؤدد عالي الذرا ما ساده قيصر يوماً ولا كسرى بناه إن حديث القرآن عن الهجرة، جاء على لب القصة وأصلها، واستوعب أحداثها بهذه الكلمات اليسيرة، وهذه الآية التي ذكرت خبره صلى الله عليه وسلم منذ أن آذن الله تعالى بنصره، فأخرجه الذين كفروا، نعم أخرجوه لينصره الله عز وجل إلى أن أوى إلى الذين آووه ونصروه، فقالوا: تعال يا رسول الله إلى حيث العزة والمنعة.