الموت في نظر المسلم له معنى آخر

أما حين تنظر إلى المسلمين، فإنك تجد فيهم عرفاً متوارثاً منذ عصر الرسالة، منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو إن المسلم يعلم أن الحياة ليست هي كل شيء؛ حتى ذلك المسلم العادي، غير المتعلم، ولا الداعية، ولا المجاهد، هو يعرف أن ثمة حياة آخرة يؤمن بها، ويعتقد أنه سينتقل إليها، ويؤمل في ربٍ رحيم، ولهذا فالموت عنده له معنىً آخر، مختلف عن الموت في نظر الكفار الذين يرون الموت فناءً محققاً، وعدماً محضاً، ونهايةً لا حياة بعدها ولا وجود.

أما المسلم المجاهد الباحث عن الموت، فهو لونٌ آخر، يرى أن الموت هو الحياة، قال الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169] .

لم نخشَ طاغوتاً يحاربنا وإن نصب المنايا حولنا أسوارا ندعو جهاراً لا إله سوى الذي خلق الوجود وقدر الأقدارا ورءوسنا يا رب فوق أكُفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا كنا نرى الأصنام من ذهبٍ فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا كم زلزل الصخر الأشم وما وهى من بأسنا عزمٌ ولا إيمانُ لو أن آساد العرين تفزعت لم يلقَ غير ثباتنا الميدانُ توحيدك الأعلى جعلنا نقشه نوراً تضيء بصبحه الأزمانُ إنك تتعجب أشد العجب من أعدادٍ من المسلمين الموجودين اليوم، على سبيل المثال في الصومال جياع، عراة، عطاش، فقراء، محرومون من أبسط معاني الحياة الكريمة السعيدة، فيقومون في الشوارع، يرفعون الأوراق واللافتات، ويتجمهرون، ويقولون للغربي الكافر القادم إلى بلادهم: ارحلوا عن بلادنا، لا نريدكم، فيمطرونهم بالنيران والرصاص، ويسقطون منهم أكثر من عشرين قتيلاً في تجمهرٍ واحد، دون أن يكون المسلمون يحملون ولا حتى العصي أو العيدان، ثم تظن أن ذلك سوف يجعلهم يأوون إلى بيوتهم، ويختفون في أماكنهم ومعاقلهم وغرفهم، فإذا بهم يكررون العملية كل يوم، ويتزايد عددهم، ويرتفع صوتهم، وإذا بوسائل الإعلام العالمية تنقل هذه الرسالة إلى العالم الغربي، الذي ما زال يصم أذنيه عن صراخ المسلمين وصياحهم، وندائهم، واحتجاجهم!! إن العالم اليوم بهذه الطرق يضطر المسلمين اضطراراً إلى البحث عن الشيء الذي كان يجب أن يختاروه اختيارياً، إنه يضطرهم إلى صناعة الموت، ويجعل منهم مقاتلين أشداء أشاوس.

نعم! هذا الدين أثبت خلوده وتاريخيته وبقاءه، غزته أممٌ كثيرة، فذهبت وبقي الإسلام، فقد جاء التتار بجيوشهم المتوحشة، وسمع صوت صياحهم من آفاقٍ بعيدة، فإذا بهم يجتاحون بلاد الإسلام، وإذا بالأنهار تجري أحياناً حمراء من دماء المسلمين، وأحياناً أخرى زرقاء من كتبهم التي أغرقوها في الأنهار، ثم ينتصر الإسلام، ويتحول التتار إلى مسلمين، وإذا بك اليوم تسمع جمهوريةً من بقايا الاتحاد السوفيتي، يسمونها تتارستان، وقد قرأت مقابلةً مع بعض شخصياتها، فإذا بهم يعلنون أنهم لا يعتزون إلا بالإسلام، هذه تتارستان هي منطلق التتار الذين وطئوا بغداد وبلاد الإسلام والشام، وفعلوا الأفاعيل وسفكوا دماء المسلمين، هاهي اليوم لا تفتخر إلا بالإسلام، ولا تعتز إلا به.

بغت أممُ التتار فأدركتها من الإيمان عاقبة الأمانِ إنه الدين الخالد، الذي يملك عناصر البقاء، فإذا قاومه قوم انهزموا، وبقي الإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015