الموت والحياة صنوان متلازمان

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.

رقم هذا الدرس حسب عهدة الإخوة الحاضرين "95" من سلسلة الدروس العلمية العامة، التي تنعقد في هذا المسجد، جامع الذياب ببريدة، وهو ينعقد في هذه الليلة، ليلة الثامن والعشرين من شهر صفر لعام ألف وأربعمائة وأربعة عشر من الهجرة، وفي ليلة الإثنين كما هو المعتاد، عنوان هذا الدرس: صناعة الموت.

واعجباً لك يا سلمان! لقد حدثتنا قبل عن صناعة الحياة، وفقهنا وفهمنا أن صناعة الحياة تعني أن يشارك الإنسان في كل مجالٍ من مجالاتها، بصناعتها وإقامتها على شريعة الله جل وعلا، فما بال صناعة الموت إذاً؟! لقد حدثتنا قبل أسبوعٍ أيضاً، عن عشاق الحياة، عشاق زينتها وبهرجها وجمالها الزاخر المليء الأخاذ، أفترى للموت عشاقاً أيضاً يجب أن يتحدث عنهم؟! أيها الإخوة الأحبة الكرام! وأيها الأخوات الكريماتُ الحبيبات إلى آبائهن وأمهاتهن وأزواجهن، الكافات العافات، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته أما بعد: فإن الموت والحياة أخوان صنوان نظيران متشابهان قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:2] ولا يتقن صناعة أحدهما إلا من يتقن صناعة الآخر، فالذي يصنع الحياة الكريمة هو الذي يختار الميتة الشريفة، وما أذل الناس وخفض رقابهم إلا حب الحياة والرغبة فيها دون قيدٍ أو شرط، قال الله تعالى عن اليهود: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96] حياة هكذا!! أياً كانت، حتى ولو كانت حياة الذل، والفقر، والهوان، والضعف، والخمول!! المهم عندهم أن يظلوا أحياءً {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96] والتنكير هاهنا في كلمة "حياة" هو للتحقير.

ومن الطرائف التي تساق في هذا المجال: أنني سمعتُ زعيماً لمنظمةٍ يعدونها منظمة للتحرير، تحرير الأرض، وتحرير الإنسان، سمعته يقول في إذاعة كبرى، في يوم من الأيام، وهو يمدح المؤمنين والمجاهدين، والصابرين، وأنهم يحبون الموت كما تحبون الحياة، فيقول: قال الله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96] يظن أن هذه الآية مدح، ولم يدرِ أنها ذم، ويظنها في المؤمنين، وما درى أنها في بني إسرائيل اليهود!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015