ينبغي أن نعتبر هذه الحيل حيلاً نفسيةً شيطانية، وأن ندرك أن النفس والشيطان والهوى كلها ضد هذا الإنسان، ولا عصمة له من كيد الشيطان ومن وسوسة النفس وقبولها إلا بأمور: الأمر الأول: الإيمان بالله تعالى والاعتصام به والتوكل عليه، فإن العبد يقول دائماً وأبداً: (لا حول ولا قوة إلا بالله) فلا تحول من المعصية إلى الطاعة، ومن العجز إلى القوة، ومن الضعف والخور إلى القوة في الخير، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الكفر أيضاً إلى الإيمان لا قيام للعبد بذلك كله إلاَّ بعون الله تعالى، قال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] .
فلابد من الإيمان بالله، والتوكل عليه، وسؤاله والاعتماد عليه، وأن يعرف العبد أنه لا يستطيع أن يصنع شيئاً بنفسه إلاَّ بقوة الله.
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده الأمر الثاني: الطاعة.
فإن القلب إذا كان مليئاً بالطاعات، سواءً كانت طاعات قلبية، مثل محبة الله والتوكل عليه والإيمان به، ومحبة الخير، وما أشبه ذلك من أعمال القلوب، أو كانت أعمال بدنية، كالقراءة والصلاة والذكر والتسبيح والتحميد والتهليل والبر والإحسان والصدقة والصيام وغير ذلك، إذا كانت حياة الإنسان مليئة بهذه الطاعات، كان الشيطان من الإنسان أبعد، وإذا قلَّت الطاعة وكثرت المعصية، كان هذا مرتعاً خصباً للشيطان.
فالإنسان مثل البيت، إذا دخل الشيطان إلى البيت فوجد ذكر الله، ووجد التسبيح والتحميد وقراءة القرآن، قال لأصحابه: "لا مبيت لكم ولا عشاء" وهرب.
وإذا دخل البيت فوجد فيه المعاصي، ووجد فيه الغناء، والمنكرات، ووجد أنه لا يذكر الله تعالى فيه؛ قال لمن معه من جنوده: "أدركتم المبيت والعشاء" وجلس، فأضل أهل البيت وأغواهم، فينبغي على العبد أن يحصن نفسه بالطاعات الظاهرة والباطنة.
الأمر الثالث -الذي يحول دون التأثر بهذه الحيل النفسية والشيطانية-: اعتدال الإنسان في نظرته، وآرائه، ومزاجه، وعلمه، وعمله.
فإن العبد إذا كان معتدلاً عُصِمَ بإذن الله تعالى، والاعتدال خيرٌ كله، وهو من القصد الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة: {والقصد القصد تبلغوا} .
أما إذا كان الإنسان بعيداً عن العدل والاعتدال، وعنده نوعٌ من الغلو أو الإفراط، أو الشذوذ في أقواله، أو آرائه، أو أعماله، فإن ذلك يغريه -غالباً- بأن يقع ضحية الحيل النفسية، ويجره الشيطان بسببها.
الأمر الرابع: كثرة التجربة في مجال الخير، فإن من جرَّب عرف، وكثير من الناس يتوقفون بأسباب ضعف التجربة، فيظن الأمر صعباً، ولو جرب لأدرك أنه أقل مما كان يخاف، فإذا أُذِنَ للعبدِ بِأن يجرب ويقوم بالأعمال ويؤدي ما يستطيع، فإنه ينتقل -بإذن الله- من نصرٍ إلى نصر، ومن تجربةٍ إلى تجربة أخرى أحسن منها.
الأمر الخامس: السلامة من الآفات والأمراض الظاهرة والباطنة فإن أمراض القلوب من الحقد والحسد والبغضاء والتعاظم والعجب والكبر وسواها؛ تصيب الإنسان كثيراً ببعض الحيل النفسية، وتجعله عرضة لوسوسة الشيطان وكيده، ومثله -أيضاً- الأمراض البدنية، فإنها إذا أبطأت بالإنسان كثيراً ما تؤثر في نفسه، وتسبب اعتلالاً في مزاجه ونقصاً في أحكامه.
فعلى العبدِ أن يدرك ذلك كله، وأن يعتصم بالله، ويكثر من الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم على كل حال.