الأمة الغائبة والحيل النفسية

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70-71] .

أما بعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نحمد الله تعالى أن جمعنا بعد هذا الانقطاع الذي طال بعض الشيء، فالحمد لله تعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، ونشكره على آلائه التي لا تعد ولا تحصى، ونسأله تعالى أن يستعملنا وإياكم في طاعته إنه على كل شيء قدير أما بعد: فهذا الدرس هو الثاني والسبعون، في هذه الليلة ليلة الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول، من سنة (1413هـ) ، وعنوان هذا الدرس: (طائفةٌ من الحيل النفسية) وقد سبق أن تحدثت إليكم في هذا الموضع، عن (الأمة الغائبة) وكان خلاصة تلك المحاضرة أن الأمة الإسلامية تعيش حالة غياب.

ولا أعني بالغياب -كما تبادر إلى ذهن بعض الأخوات المتسرعات- أننا نحكم على هذه الأمة بالكفر -مثلاً- معاذ الله من ذلك، فإننا نرجو أن نكون من أبعد الناس عن هذا، والأصل فيمن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيم الصلاة أنه مسلم، إلا إذا ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام التي تخرجه عن الملة بيقين لاشك فيه، وإلا فإننا نبقى على استصحاب الأصل في إسلامه، وإنما أردت بمحاضرة (الأمة الغائبة) بوضوحٍ تام، أن نقول: إن الأمة لا تقوم بدورها الواجب في نشر الإسلام، والدعوة إلى الله، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومقارعة الظلم الذي يقع عليها أو على غيرها، بل إن أغلب هذه الأمة يتذرعون بالحيل المختلفة، ويقعدون عن القيام بما أوجب الله عليهم، فليس مقصدنا بالغياب أنه لا يوجد في الأرض أمةٌ مسلمة.

كيف ونحن نقرأ صباح مساء قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك} وهذا حديث متواتر.

إذاً مقصدنا بوضوح أن الأمة لا تقوم بدورها كما يجب، وتقع الأحداث الكثيرة دون أن تؤدي الأمة واجبها، بل -أحياناً- دون أن تقوم الأمة بالتعبير عن رأيها ولو بالكلام فحسب، فالأمر كما قيل: ويقضى الأمر حين تغيب تيمٌ ولا يستأمرون وهم شهودُ وكانت محاضرة (الأمة الغائبة) أشبه ما تكون بالمقدمة لموضوع الحيل النفسية، ثم وفق الله تعالى أن ألقيت محاضرة بمدينة الطائف، كان عنوانها (الحيل النفسية) وعرضت فيها للعديد من تلك الحيل، وسوف أستكملها في هذه الجلسة -إن شاء الله تعالى- بشيءٍ من الاختصار، لأننا بحاجة ماسة الآن إلى الوقت، وسأتحدث إليكم في هذه الكلمة عن أربع نقاط:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015