ومن خلال هذا العنوان يبدو أن التجديد المنتظر والمطلوب يتلخص في ثلاثة أمور: الأمر الأول: هو: إحياء الفهم الصحيح للإسلام، ونفي جميع الأشياء التي دخلت على الإسلام من تأثيرات الفلاسفة أو الصوفية أو غيرها، أو من تأثيرات البيئة والواقع الذي يعيشه الناس، فهذا الإحياء للفهم الصحيح للإسلام هو من أهم مهمات المجددين، ونحن نعرف جميعاً أنه قد دخل في فهم - لا أقول في الإسلام -الناس للإسلام تأثيرات غريبة جداً، وأصبحت تقرأ في بعض الكتب أشياء لا تفرق بينها وبين ما عند اليهود والنصارى والبوذيين والمجوس والوثنيين وغيرهم، وهي باسم الإسلام تُرتَكَب.
وأذكر -على سبيل المثال- أنني قرأت في كتاب: الطبقات للشعراني بعض القصص والأخبار في منتهى الغرابة؛ حتى أنهم ذكروا من طرائفها -فنحن إذا كنا نسمع بصكوك الغفران عند النصارى فعند الصوفية ما هو أشنع منها، وإن لم يكن على المستوى العام-: أن النقشبندي شيخ الطريقة الصوفية كان قد أراد أن يشتري من إنسان بستاناً، فاشترط عليه صاحب البستان أن يكون الثمن قصراً في الجنة، -لا يريد ثمناً في الدنيا- فوافق شيخ الطريقة على ذلك، وكتب صكاً أو عقداً -وهو مكتوب معروف-: هذا ما باع فلان بن فلان على الشيخ النقشبندي، باع لي بستانه الواقع في مكان كذا، بقصر أو ببستان في الجنة، يُحد شرقاً: بجنة عدْن، وغرباً: بجنة الفردوس، وشمالاً: بجنة المأوى، وجنوباً: بجنة النعيم، وهذا موجود بهذه الصورة.
ومن الطريف أيضاً أنهم يقولون: لما مات هذا الرجل البائع رآه رجل في المنام وهو يقرأ هذه الآية: {لقَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً} [الأعراف:44] .
ويذكر عن أحمد البدوي -المسمى بالسيد-: وهم يقولون: أنه خاتم الأولياء، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، هكذا تقول الصوفية- فيذكرون عن البدوي هذا، أن الله تعالى قال له: سلني يا عبدي -حيث جعل الله له ثلاث دعوات مستجابات، كما جعل للنبي صلى الله عليه وسلم- يقول: سألتُ الله ثلاثاً، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدة -وهذا تركيب؛ لأن هناك حديث بهذا اللفظ- فأما التي أعطاه الله تعالى هو أنه سأل الله تعالى أن يغفر لكل من كان اسمه أحمد، فأعطاه الله ذلك، وسأله أن يختم به الأولياء؛ فأعطاه ذلك، وسأله أن يدخله النار!! فمنعه ذلك، نعم، منعه ذلك، وقال: لأنه لو دخلها لَتَمَرَّغ فيها ولتحولت إلى حشيش أخضر، أي لو دخل النار لتحولت إلى حشيش أخضر.
وهذا ليس فيه فرق -في اعتقادي- عما هو موجود عند الديانات الوثنية والخرافية والمحرفة، لكن ميزة الإسلام أن هناك مرجعاً يمكن التحاكم إليه ونبذ ما يخالفه، وهو: القرآن والسنة، بخلاف الديانات الأخرى، فقد التبس فيها الحق بالباطل على وجه لا يمكن فيه التمييز.
إضافةً إلى أننا نعلم أن كثيراً من الناس يستقون فهمهم للإسلام من الواقع، ويعتبرون أن الواقع مصدر الإلهام في فهم الإسلام، أيَّاً كان هذا الواقع.
وأتعجب أن الدكتور: حسن حنفي، وهو من أدعياء التجديد، وله كتاب اسمه: التراث والتجديد، يحاول أن يقرر أن الميزان في معرفة الأشياء الصحيحة من الخاطئة هو الواقع، فكل شيء يثبت في الواقع أنه مفيد فهو صحيح، وكل شيء يثبت في الواقع أنه غير مفيد فهو غير صحيح، يعني: ليس مهماً أن يكون الأمر مشروعاً أو غير مشروع، لكن المهم أن يكون الأمر مفيداً في الواقع، فإذا كانت -مثلاً- الاشتراكية أمراً مفيداً في الواقع، أو من خلال تطبيقها تبين أن فيها -مثلاً- تحريك لطبقة معينة من الناس، وتوزيع عادل -على حد زعمه- للثروة فهي تعتبر تجديداً، وأدهى وأمر من ذلك أن هذا الرجل تكلم عن قضية ما يسمى في التاريخ الإسلامي: بوحدة الوجود، وهي فكرة صوفية تدعي أن الخالق والمخلوق شيء واحد.
الرب عبد والعبد رب يا ليت شعري من المكلف ومعروفة أبيات ابن الفارض في هذا الباب وغير ابن الفارض.
فوحدة الوجود هذه عقيدة صوفية إلحادية، يقول حسن حنفي: إن هذه العقيدة قد تكون في الماضي غير مناسبة وغير صحيحة لضررها، لكنها في العصر الحاضر هي عين الصواب، وهي التجديد، -لماذا؟ - قال: لأن القول بوحدة الوجود يعطي الإنسان قيمته وماهيته، في الوقت الذي سُحِق الإنسان فيه، وضاعت كرامته، وأُهْدِرت شخصيته، وأصبح مجرد تابع ذليل خانع، فالقول بأن المخلوق والخالق شيء واحد يعيد للإنسان نوعاً من أهميته وشخصيته واستقلاليته! إذاًَ ليس المقياس في رفض فكرة ما أو قبولها أن الشرع يرفضها أو يقبلها عند هؤلاء، بل يقيسون الأمر بمدى نفعها في الواقع، فإذا كان الأمر مفيداً في الواقع فهو من التجديد، وإذا كان الأمر غير مفيد في الواقع -في تقييمهم ونظرهم- فهو ليس من التجديد.
ونعلم أن الخضوع لسياسة الأمر الواقع -على سبيل العموم- اليوم أصبح أمراًَ يهيمن على كثير من مُفَكِّري الإسلام وعلمائه، يعني: الحضارة الغربية اليوم هي الحضارة المسيطرة الغازية، وهي تبسط أجنحتها الغربية والشرقية، وتبسط أجنحتها على الدنيا كلها.
والشعوب الإسلامية تُصَنَّف فيما يُسمى بدول العالم الثالث، أي: العالم المتخلف، الفقير الجاهل المريض، وبالتالي صار كثير من المسلمين ينظرون إلى الكفار نظرة إعجاب وتقدير، بل إن كلمة: الكفار أصبحت ثقيلة على النفوس، وكثير منا يستثقل إطلاق كلمة: كفار عليهم، مع أنها هي الكلمة الواردة في القرآن وفي السنة، وهي أمر طبيعي، لكن كثيراً منا يمكن أن يعبر بأي لفظ، لكن يستحي من أن يطلق عليهم أنهم كفار، أو يحكم عليهم بما حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكثير من هؤلاء المسلمين بل وربما الدعاة أصابتهم هزيمة داخلية، وصاروا يعيشون ما يسمى: بسياسة الأمر الواقع، فهم يقولون: لا معنى أن نظل ومتشبثين ومتمسكين بأمور معينة، على رغم أن الواقع قد رفض هذه الأشياء.
إذاً فالجانب الأول من جوانب التجديد: هو: إحياء الفهم الصحيح للإسلام، بنبذ جميع التأثيرات الصوفية والفلسفية والخرافية والبيئية التي دخلت في الإسلام، وبعدم إخضاع فهم الإسلام للواقع الذي يعيشه الناس ويتغير من بلد إلى آخر ومن وقت إلى آخر.