Q يا شيخ: إني أحبك في الله، وضح لنا جزاك الله خيراً: تحالفات الإسلاميين في المجالس النيابية, ما هي تطبيقات الولاء والبراء في هذا الأمر؟ الواقع أيها الإخوة مع أنني أبادلكم هذا الشعور بالمحبة، وأسأل الله عز وجل أن يجعل محبتنا فيه، وألا يكون الحب مجرد عاطفة وجدانية ترق بها قلوبنا، وإن كان هذا من سعادة الدنيا أيضاً، إلا أننا ينبغي أن نترجم هذه المحبة بين المؤمنين إلى نوع من الولاء والذي تحدثت عنه؛ الولاء للإسلام وأهل الإسلام والأخوة في الله عز وجل، بكثرة الاجتماعات، والتواصل والتزاور والتناصح والتناصر في كل مجال من المجالات، بحيث يحقق قوله صلى الله عليه وسلم: {مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى} .
تذوب حشاشات العواصم حسرة إذا دميت في كف بغداد إصبع ولو بردى أنت لخطب أصابها لسالت بوادي النيل للنيل أدمع وقال شاعر آخر: ولست أبغي سوى الإسلام لي وطناً الشام فيه ووادي النيل سيان وحيثما ذكر اسم الله في بلد عددت أرجاءه من لب أوطاني بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بالرقمتين وبالفسطاط جيراني ولي بطيبة أوطان مجنحة تسمو بروحي فوق العالم الفاني وليس طرطوس مهما لج لي دمها أدنى إلى القلب من فاسٍ وتطوان دنيا بناها لنا الهادي فأحكمها أعظم بأحمد من هادٍ ومن باني يحب أن نتناصر في الإسلام -أيها الإخوة- بوضوح، إذا اضطهد يهودي في أي مكان من الدنيا ضج اليهود في كل مكان ولا يظهر في أجهزة الإعلام أن اليهود تحركوا، بل يظهر أن الأمم وأن الشعوب تحركت، فاليهود من شدة مكرهم وتخطيطهم استطاعوا أن يتغلغلوا وأن يتخلخلوا تلك الشعوب، فيحركوها لصالح القضايا التي يريدون، فإذا ضويق يهودي في الشرق أو في الغرب تحرك اليهود له وأجلبوا، ولذلك لما حصل في روسيا ما حصل، لما كانت القضية تخص النصارى ضجت الأمم الغربية النصرانية وتحركت ونددت، لكن لما ضرب المسلمون لم يتحرك لهم أحد، ولم يرتفع لهم رأس، ولم ينصرهم أحد بكلمة، فيجب أن نتناصر فيما بيننا بقدر ما نستطيع.
فنتناصر بالكلمة؛ لأن الذي يلقي خطبة في المؤتمر أو في أي مناسبة أو مسجد أو مناسبة معينة، تجمع أناساً صالحين، يلقي خطبة يعبر فيها عن شعوره تجاه أمرٍ من الأمور هذا نوع من المناصرة، والذي يكتب في جريدة مهما كانت هذه الجريدة هذا نوع من المناصرة، والذي يرسل رسالة هذا نوع من المناصرة.
يا أخي تأييدك لأخيك بكلمة هذا نوع من المناصرة، كونك تقول لأخيك: أصبت، هذه مناصرة له، وإذا أخطأ تقول: أخطأت، هذه مناصرة له.
يجب أن نحول مشاعر الحب من مجرد مشاعر عاطفية تلتهب في قلوبنا إلى واقع عملي نتعبد الله تعالى من خلاله.
أما السؤال في الواقع أنه يوجد قضايا ومستجدات كثيرة، أتمنى أن يوجد مجمع علمي شرعي حر نزيه، يدرس هذه القضايا، ويخرج برأي واحد.
أما الجواب على السؤال: فإن دخول الصالحين في المجالس النيابية يحتاج إلى أن يدرس, وأنا لا أعترض عليه, وليس لي رأي معارض الآن، لكن أقول: يجب أن يُدرس: فهل هو يوافق قضية الولاء والبراء أم لا يوافقها؟ لأن هذا الكلام مطروح الآن، ففي تلك المجالس قَسَمٌ على خدمة أنظمة غير شرعية, فبعضهم يجد في هذا حرجاً, وفي الواقع وجهة نظري الشخصية الخاصة أنني أقول: قد يكون الدخول في تلك المجالس -أحياناً- فيه تحقيق لبعض المصالح، ودفع بعض المفاسد, ولا يلزم أن يدخل ويشارك فيه كل المؤمنين والصالحين، لكن لا يمنع أن يدعى من يكون فيه خير، أو من يكون أقرب إلى تحقيق الخير ودفع الشر، ممن يكون مرشحاً لبعض المواقع من قبل الصالحين.
والتحالفات يجري فيها نفس الكلام، فأحياناً قد يتحالفون مع أنظمة ومع أحزاب قد تكون كافرة، كالأحزاب البعثية، والأحزاب الشيوعية -وقد حصل هذا- والأحزاب الناصرية, فهذه مصيبة كبرى ففي الواقع إننا بهذا نلبس الحق بالباطل, والآن نحن في مرحلة دعوة، ولسنا في مرحلة دولة, ويهمنا جداً أن يعرف الناس بالضبط ماذا نريد, وماذا نأمل؟! هل نريد أن يقول الناس عن الدعاة: إنهم طلاب حكم؟! وأنهم يريدون المنصب والكرسي بأي ثمن؟ ويتذرعون إليه بكل وسيلة؟ لا نريد هذا.
بل نريد أن يعلم الناس أننا دعاة إلى دين الله عز وجل, ودين الله عز وجل كامل شامل, فليس هو ديناً في المسجد فقط، بل هو دين الحياة كلها, لكن كوننا نسلك -أحياناً- طرقاً ملتوية، ونتحالف مع أناس نحن خصوم لهم ونحاربهم, ونحن ما أتينا إلى هذه المواقع إلا لمواجهتهم, ففي نظري أنَّ هذا غير صحيح، وأنه يوجد التباساً في نفوس كثير من الناس, حتى لا يصبح لديهم تمييز، وهذه قضية مهمة جداً.
وأذكر قصة طريفة: أحد الملوك أجبر الناس على أكل لحم الخنزير, ومن لم يأكل لحم الخنزير فسيقتله, فأتي بعالم مسلم من أجل أن يأكل لحم الخنزير, لكن الطباخ الذي يطبخ رثى لحال هذا العالم ورق له وأشفق عليه، فطبخ له جدياً وقدمه له، وقال له سراً: هذا جدي -لحم مباح- كل منه ولا تتردد، فلما أُتي به أمام الناس، وقدم له اللحم أبى أن يأكله, فرفع السيف فأبى أن يأكله! قال له الطباخ: كيف؟! قال: لا آكل، لأنه ولو كنت أعلم أنه حلال، إلا أن الناس سيتصورون أني آكل لحم الخنزير!! إن الذين يحملون راية الدعوة كالشامة وسط الناس, وهم دعاة تلتف الناس من حولهم، وتنظر إليهم، وتحسب تحركاتهم وتصرفاتهم، فيجب أن نضع في الاعتبار جيداً ألا نحطم العلاقة بيننا وبين الأمة بسبب من الأسباب.
وإن خسرت كرسياً أو مقعداً في البرلمان أو غيره، فهذا يذهب ويأتي, لكن لا تخسر الأمة، واحذر أن تخسر الأمة!