حكم الاستعانة بالقوات الأجنبية وتأييد صدام

Q الاستعانة بالقوات الأجنبية في الخليج, كذلك في الذين أيدوا صدام حسين , هل لكم التوضيح بين الفرق بين الولاء والاستعانة؟

صلى الله عليه وسلم الفرق بين الولاء والاستعانة: أولاً: هناك من أهل العلم من لا يرى جواز الاستعانة مطلقاً, احتجاجاًَ بقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم، للذي قال له: {آتي وأقاتل معك, قال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: لا, قال: ارجع فلن أستعين بمشرك} , لكن هذا رأيٌ لبعض العلماء، وليس إجماعاً.

والاستعانة تتلخص في استخدام الكافر في مجال محدود، وغرض محدود, وبصورة تضمن ألا يكون لهذا الكافر تأثير في القرار.

مثلاً: كون الكفار -كما ذكر بعض الفقهاء- يكونون خدماً في الجيش، أو مساعدين، أو حتى في سلاح معين, مثل بعض الأسلحة التي ليست من الأهمية بمكان, فيكون لهم وجود فيها فقط, أي: وجود ثانوي، ووجود مساند أو مساعد، وليس وجوداً أصلياً جوهرياً أساسياً وقد تكون الاستعانة في غير الحرب فتكون الاستعانة في أي أمر من الأمور, فتستخدمهم -مثلاً- في تصنيع أمر من الأمور, وفي إصلاح قضية أو بناء أو عمارة وفي أي أمر من الأمور الدنيوية العادية المحدودة المؤقتة، فأنت تستخدمه فيها ثم تنتهي مهمته عند هذا الحد.

فهذه الاستعانة لا شيء فيها, لكن الاستعانة في مجال الحرب، قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: {ارجع فلن أستعين بمشرك} ولهذا ذهب بعض الفقهاء إلى تحريم ذلك مطلقاً.

والذين أباحوه أجازوه بشروط, وهي شروط قوية جداً: منها: ألا تكون القيادة بأيديهم, وألا يكون القرار لهم, وهذا ظاهر.

ومنها أيضاً: أن يكونوا مأمونين، ولا يخاف من خيانتهم أو غدرهم، وهذا قد يوجد بالنسبة لبعض الكفار مثل عبد الله بن أريقط الذي استأجره النبي صلى الله عليه وسلم ليدله على الطريق من مكة إلى المدينة, فقد استأجره عليه الصلاة والسلام, لأنه أن عبد الله بن أريقط لا يمكن أن يخبر المشركين بهذا الخبر, لأنه رجل أمين، فهو تحكمه أخلاقيات معينة، وقد يكون بينه وبين أبي بكر أو غيره علاقة ومودة في الجاهلية، ولذلك اطمأن إلى أنه سيحفظ له هذا السر فكونك تستأجر مشركين، سواء جواسيس أو مخبرين أو إلخ لا بأس في ذلك, إذا كنت واثقاً منهم, حتى لو لم تثق منهم وتوفرت بقية الشروط، وكان دوره ضعيفاً حتى إذا اكتشفت خيانته لا تهتم به، لا يؤثر شيئاً, أو لا تعتمد عليه أصلاً، فتستخدمه وتستفيد منه ولا تعتمد عليه.

ومن الشروط التي ذكروها: أن يسعى المسلم للاستغناء عنهم بما يستطيع بمعنى أنه إذا وجدت ضرورة للاستعانة فافعل، لكن بشرط أنك تسعى جاهداً إلى أن تزيل هذه الحاجة والاستغناء عن هذا الكافر, وأوصل بعض العلماء وبعض الأصوليين الذين كتبوا في هذا الموضوع شروط الاستعانة بالكافر إلى سبعة شروط -وهؤلاء هم الذين أباحوها- تضمن أن تكون الاستعانة لصالح الإسلام والمسلمين.

أما قضية حاكم العراق فلا شك أن من ضعف الولاء أن يصفق له بعض المنكوبين والمحسوبين على الدعوة الإسلامية, وهذه في الواقع غيبوبة، وغفلة عن الواقع وعن التاريخ, إذ كيف يُنسى تاريخ معين، ونتصور أن الأمور تنتهي بهذه البساطة, فإذا كانت المسألة مسألة كلام فهذا يعني أننا سنضيع فعلاً مرات ومرات، أي أن كل من أحسن لنا الكلام وأحسن لنا القول صدقناه! فمن خطط الكافر -أحياناً- أن يعلن الإسلام ليجر الناس إليه, فإن بعض الذين غزوا بلاد المسلمين من المستعمرين أعلنوا الإسلام، وإن نابليون لما جاء إلى مصر, ذكر الجبرتي أو غيره أنه أعلن الإسلام, وكان يكتب رسائل من عبد الله نابليون إلى من يراه من المسلمين!! أفكلما رفع لنا إنسان شعاراً ركبنا خلفه؟! فقضية ولاء القلوب وقضية التأييد، هذه مواقف شرعية ينبغي أن تكون مبنية على وعي وإدراك، وعلى منطلقات أساسية, فأنت مسلم عملة عجيبة نادرة مهمة، لا تضيع بهذه الطريقة! يوم هنا ويوم هناك! أو تتنقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار! ومن الطرائف -ولعلي أشير إلى هذا في الندوة القادمة- أني التقيت يوماً من الأيام بداعية من أكبر الدعاة, وكان وقتها معجباً بحاكم العراق، وجلست معه جلسة طويلة امتدت ساعات, أحاول إقناعه بأن الرجل علماني وبعثي محارب للإسلام وللمسلمين, وتاريخه يشهد بذلك, والكلام ينبغي ألا يخدعنا، ونحن لا نغلق باب التوبة, لكن الذين كانت جرائمهم تدمير الأمة لا تكون توبته إلا بالإصلاح والبيان، إصلاح ما أفسدوه وأن يبينوا ذلك ويعلنوه, أما كون الواحد يبكي، يقول: لما ذكرت له مأساة حماس دمعت عيناه, فهذه دموع التماسيح يا أخي!! المهم لما جلسنا جلسة طويلة، حتى أنه صار شيء من القناعة في هذا الموضوع, كأنه اقتنع بذلك, وبعد حصول الأحداث الأخيرة, سمعت هذا الداعية يتكلم عن النصارى بمثل الكلام الذي كان يتكلم فيه، أو قريباً من الكلام الذي كان يتكلم فيه عن حاكم العراق, وإن هؤلاء ليس لهم هدف في الإسلام, ولا يريدون الإسلام، ولا يعنيهم الإسلام، ولا يهمهم ارتفع الصليب أو ارتفع الهلال، كما يقول!! إنما يهمهم مصالحهم!! فما هذا الكلام؟! كيف نصدقك والقرآن الكريم ناطق بين أظهرنا؟! قال سبحانه وتعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] وقال: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم:9] وقال: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] وقال: {وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا} [البقرة:135] , وهناك آيات كثيرة، فكيف نتجاهل هذه النصوص القرآنية! وهذا المعلم البارز الواضح، ونأتي لمجرد أفكار وخواطر وظنون وتصورات؟! يا أخي! الكافر ليس بالضرورة أن يكون متديناً بدين ومتحمساً له حتى يكون عدواً لك أيها المسلم! أيها المسلمون! يجب أن نتصور أن كل الأمم والشعوب ليس بالضرورة أن كل فرد يحمل نفس الحماس! وخذ المسلمين على سبيل المثال: هل تتصور أنه لن يقوم للإسلام قائمة إلا إذا كانت كل الأمة التي تصل الآن إلى مليار، واعية مدركة فاهمة؟ لا تتصور هذا! فإذا وُجِدت قيادات قوية ناضجة واعية التفت الأمة حولها, وقد يكون فيهم وفيهم!! فاليهود لهم قيادات والباقون أتباع, وإذا حركت القيادات مشاعرهم تجاه قضية حرب تحركوا خلفها وكذلك النصارى لهم قيادات, والناس في الغالب مقلدون، حتى أنت يا أخي! لو فكرنا في نصف عملك -حتى لا نكون متشائمين، أو يصير عندك إحباط- لوجدناه تقليداًَ, كيف تفصل ثوبك؟ وكيف تبني البيت؟ وكيف تلبس؟ وكيف تختار أمورك؟ وكيف تدرس؟ وكيف وكيف.

؟!! فتجد أنك في معظم أعمالك هذه وجَدْتَ طريقاً مسلوكاً فَسَلَكْتَ مثلما سلك الآخرون ولم تبدع! فغالبية الناس يقلدون, وجد لهم رءوس خطوا لهم الطريق فمشوا خلفهم.

فلا تتصور حين نقول: إن النصارى أعداء، وحين تأتي -مثلاً- إلى المواطن العادي في أمريكا تتحدث معه، تجد أنه لا يعادي الإسلام, تقول: هذا كلام صحيح ليس عندهم عداوة!! يا أخي! هذا المواطن العادي! وهذه النقطة لا تلتفت إليها، لأنه جزء من مجتمع تحركه قيادات، سواء قيادات سياسية، أو قيادات دينية, وتوجهه للجهة التي تريدها! وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015