تحكيم القوانين الوضعية

أولاً: قضية الحكم بالقوانين الغربية, وتحكيم غير شريعة الله عز وجل هو بحد ذاته ردة وكفر أصلاً, كما قال الله عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] وقال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47] , فهو بذاته كفر، لكن -أيضاً- كونه يؤخذ من الغرب أو الشرق، من أمريكا، أو فرنسا، أو بريطانيا، أو من غيرهم من أمم الكفر, ويستوردون منهم الأنظمة التي تسير شئون الحياة، وتهيمن على أمور المجتمع، في اقتصاده واجتماعه وسياسته وأخلاقياته وأدبه وفنه وإعلامه إلى غير ذلك, فإنه يضاف إلى كونه حكماً بغير ما أنزل الله أنه يكون ولاء لأعداء الله عز وجل، وهذا من أكثر صور الولاء وضوحاً وصراحة.

فكون الإنسان يعرض عن شريعة الله عز وجل الواضحة البينة، ويلتمس منهجاً في أنظمة الشرق والغرب، هذه ردةٌ -لا شك فيها- عن الإسلام.

بل أقول: ردة بإجماع العلماء، كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير في كتاب البداية والنهاية, حين تكلم عن الياسق الذي هو نظام جنكيز خان , قال: من حكم بغير ما أنزل الله من الشرائع المنسوخة المنزلة على الأنبياء والمرسلين فهو كافر فكيف من حكم بغير ذلك مما وضعه الناس؟! فهذا كافر بلا شك في كفره بإجماع المسلمين.

فهذه صورة صارخة من صور الولاء, ولا أعتقد أننا نحتاج أن نتلمس هذه القضية، فإن المسلمين -الآن- أصحبوا يحكمون في أكثر مجالات الحياة وجوانبها بغير شريعة الله عز وجل, بل بأنظمة ما أنزل الله بها من سلطان: بأنظمة الشرق والغرب، والأنظمة الديوثية، التي تبيح هتك الأعراض ونهب الأموال, وتلغي أحكام الله عز وجل وتستدرك على الله تعالى في عباده, وهذه لا شك أنها نوع تأليه لهؤلاء، كما قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهِ} [الشورى:21] وقال تعالى: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:26] .

فالله عز وجل لم يشرك أحداً في حكمه, ولم يجعل لأحد أن يعبد من دونه, وفي قراءة ثابتة: {وَلا تُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} [الكهف:26] فهو نهي للمسلم أن يشرك في الحكم أحداً مع الله عز وجل، أو أن يعبد في الحكم أحداً من دون الله تعالى.

ولا أجد داعياً لأن نسمي هذا توحيد الحاكمية, كما أطلقه عليه بعض المفسرين المعاصرين، كالأستاذ سيد قطب رحمه الله, وتبعه على ذلك جماعة كبيرة من الكتاب والمفكرين, حيث سموا هذا اللون من الألوهية توحيد الحاكمية.

والواقع أنه جزء من توحيد الألوهية، الذي يتضمن إفراد الله تعالى بالعبادة, لأن من أطاع غير الله في تحليل حرام أو تحريم حلال، أو وضع شريعة، فقد اتخذه إلهاً من دون الله عز وجل، كما قال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:31] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015