والعربي بطبيعته عنده ولاء للنسب وللقبيلة, ولعلكم جميعاً تحفظون أبيات الشاعر المعروف الذي يقول: أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغدِ فلما عصوني كنت منهم وقد أرى غوايتهم وأنني غير مهتدِ وهل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشدِ فهل عرفتم من هو هذا الشاعر؟! إنه دريد بن الصمة.
فكانت هذه هي فلسفة العربي أياً كانت, حيث كان يذوب في القبيلة وينصهر فيها, يدافع عن مصالحها، ويتبنى قضاياها حقاً كانت أم باطلاً!! لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهاناً فهذا الشاعر يمدح قبيلة؛ بأنهم إذا سمعوا واحداً من قبيلتهم يستغيث بهم، ويطلب منهم النجدة، لا يسألونه برهاناً على ما يقول, بل يهبون لسلاحهم وينصرونه بحق أو بباطل! ومن أمثالهم في الجاهلية، كانوا يقولون: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً, وكانوا يطلقونه بالمعنى الجاهلي بمعنى: انصر أخاك على حق أو باطل.
فلما جاء الإسلام قال الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري من حديث أنس قال: {انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً, قال: يا رسول الله! هذا أنصره إذا كان مظلوماً، لكن إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: تحجزه وتمنعه عن الظلم فإن ذلك نصره} .
فهذا العربي الذي كانت هذه فلسفته في الحياة، لما جاء الإسلام انصهروا كلهم في مجتمع المدينة المنورة حتى آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم, فجعل كل واحد من المهاجرين ينزل عند واحد من الأنصار, حتى إنه ما نزل رجل من المهاجرين على رجل من الأنصار إلا بقرعة, من شدة المشاحة فيما بينهم حيث كان عدد المهاجرين أقل فكل واحد من الأنصار يقول: هذا يكون عندي!