إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:71] .
أيها الإخوة الكرام: أيها الشباب المؤمن! لا يعرف تاريخ الدين الصحيح في هذه الدنيا إلا نوعاً واحداً فقط من الاجتماع, وهو الاجتماع على طاعة الله عز وجل, فمنذ أول نبي بعثه الله عز وجل إلى أهل هذه الأرض -وهو آدم عليه الصلاة والسلام, فقد كان نبياً مكلماً، مروراً بنوح عليه الصلاة والسلام، وانتهاءً بمحمد صلى الله عليهم جميعاً وسلم, كان الرابط الوحيد الذي يجمع أهل الإيمان هو الاجتماع على تقوى الله وطاعته.
وبهذا الرابط كانت تتحطم كل الروابط الأخرى, فرابطة الأرض والرقعة الجغرافية تذوب وتنتهي، فيجتمع الرجل من المشرق مع الرجل من المغرب على أمر هذا الدين, وأيضاً رابطة العرق والنسب تضمحل وتذوب، فيجتمع العربي مع الفارسي والرومي والحبشي في نسيج واحد متلاحم، وهم يرفعون راية واحدة, وتضمحل وتذوب جميع الفوارق: فوارق الجنس، واللون، والطبقة، وكل الفوارق التي عرفتها البشرية.
وفي مقابل ذلك تنتهي كل الأشياء التي تعارف الناس عليها إذا انتفت رابطة الدين, فمثلاً قد يحارب الأخ أخاه، وقد يحارب الأب ابنه, وقد يحارب القريب قريبه, وقد يتخلى الزوج عن زوجه، إذا انحلت هذه العقدة، وهذه الرابطة -رابطة الإيمان-.