ولا بد أن أضرب لك مثالاً الآن بجوارنا ما يسمى بدولة إسرائيل دولة مسخ، جاء اليهود من روسيا ومن أمريكا ومن بريطانيا ومن بولندا ومن اليمن ومن بلاد المغرب ومن أفريقيا ومن كل مكان، واليهود متناقضون، عناصر مختلفة، أجناس مختلفة، وعقليات مختلفة، ومذاهب مختلفة، وقد أقاموا أحزاباً سياسيةً أيضاً مختلفة، هذا يميني، وهذا يساري، وهذا متطرف، وهذا معتدل، وهذا كذا، وهذا من حزب العمال، وهذا من الليكود، هذا كله موجود وتعرفونه أنتم، ومع ذلك تعرفون أيضاً أنه يوجد عندهم حرية مطلقة في الكلمة، فلك أن تنشئ صحيفة، وقل ما شئت، واخطب كيف تشاء، وتكلم كيف تشاء، واعلن واصرخ، المهم لا تمد يدك فقط، والباقي قل ما شئت ما دامت المسألة كلاماً.
بالله عليكم الآن ألا يوجد استقرار نسبي كبير في إسرائيل تفتقر إليه معظم الدول المجاورة؟ أقول بكل يقين: بلى! والعالم الغربي ينظر إلى إسرائيل على أنها نموذج للحضارة والديمقراطية في المنطقة، لكن نظرة الغرب لا شك أنها منحازة بسبب عدائهم للمسلمين، لكن أيضاً هذه النظرة لم تنشأ من فراغ.
بالعكس، الناس إذا وعوا وفتحوا ونظروا وعرفوا فإنك تضمنهم في هذه الحالة؛ لأن الخراج بالضمان، إن تعود الناس على معرفة الأمور على حقيقتها وجدت رجالاً إذا احتجتهم فزعوا معك، وإذا استفرغتهم أعانوك وأغاثوك، وأما إذا ربيت قطيعاً من الغنم فقد يهجم الذئب عليه ويأكله، وتصيح ثم تصيح ثم تصيح، ولا يغيثك أحد؛ لأنك هكذا اخترت لنفسك، فهذه الشعوب التي هجنت ودجنت وصودرت شخصياتهم، واعتبروا أنه لا يجب أن يعرفوا شيئاً، وأنهم ليسوا على مستوى أن يدركوا شيئاً، ولا أن يسمعوا شيئاً ولا ولا إلى آخر قاموس الهجاء الذي حاولنا أن نخص به الأمة الإسلامية من بين أمم الأرض كلها، وهذا ولَّد أن هؤلاء القوم إذا استنجد بهم إنسان في حالة شديدة لا يستجيبون له لأسباب منها: أولاً: أنهم ربوا على هذا الأمر.
ثانياً: أنهم يقولون: أنت كنت بالأمس تقول فينا كذا وكذا، ونحن كما تقول لا يمكن أن نفزع أو نقوم معك، مع أنه ما من مجتمع أو أمة أو دولة إلا وهي معرضة لأخطار في الداخل وفي الخارج، والخطر لا يخص شخصاً، فالعقوبة إذا نزلت عمت الصالح والطالح، ثم يبعثون على نياتهم، ولذلك جاء في الوعيد للمجاهرة بالمعصية الشيء الكثير؛ لأن المجاهرة بالمعاصي هي ثمرة تخدير مشاعر الأمة ومنعها من الاحتساب الذي يقضي على المنكرات ويزيلها.