ومن الأوهام: وهم الأنا، والأنا: أعني به غرور الإنسان، فمع أن الإنسان ضعيف بكل معاني الضعف، فكثيراً ما ينتابه الغرور، فيعظم ذاته والعياذ بالله إلى درجة الكفر بالله تعالى، كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:11-12] فهذا الشيطان ماذا قال؟ وكفر إبليس من أين جاء؟ جاء من قوله: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] فأنا هذه هي التي كفر بها إبليس.
وهذا فرعون رأس الطغاة يقول: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} قال سبحانه: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ * وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف:50-53] .
وهذا قارون: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:76-79] إنما أوتيته على علمٍ من عندي، فهو يرى أنه بجدارته ومواهبه أستحق ما أعطاه الله عز وجل.
وبعدهم طاغية هذه الأمة الذي أنزل الله تعالى فيه قوله: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً * كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً * أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً * فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً * يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} [مريم:77-86] أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولدا، إنه العاص بن وائل لما جاءه خباب يتقاضاه -كما في صحيح البخاري-دين له عنده، فقال أعطني الدين، قال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد، قال: لا أكفر حتى يميتك الله ثم يبعثك، قال: فدعني حتى أموت وأبعث فسوف أوتى مالاً وولداً فأقضيك، فأنزل الله قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} فما هي المسوغات أن يؤتى مالاً وولداً؟ وما هي الجدارة التي استحق بها هذا الأجر؟ قال تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً} [المدثر:11-16] وقال تعالى: {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} [المعارج:38-39] أي: أنت تعرف من أين خلقت؟! فليس هناك مسوغات لدخول الجنة إلا العمل الصالح، فإذا خسرت العمل الصالح فأنت من أهل النار، إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} [المعارج:39] .
إذاً: تعظيم الذات -الأنا- قد توصل الإنسان والعياذ بالله إلى درجة الكفر، وأحد الشعراء المعاصرين، بالمناسبة أحد الإخوة وجه لي سؤالاً وأذكره لأن له مناسبة، يقول: كيف تستشهد ببيت عمر الخيام، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من أنشدكم شعراً في المسجد فقولوا له: فض الله فاك} مع أن البيت فاحش؟ وأقول: الحديث الذي استشهد به الأخ لا يصح، بل كان الصحابة رضي الله عنهم كـ حسان وكعب وعبد الله بن رواحة ينشدون الشعر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقول: {زد أو هيه} وأحياناً يقول: {اهجمهم وروح القدس معك -أو جبريل يؤيدك-} فالحديث الذي استشهد به الأخ لا يصح.
واسمحوا لي أن استشهد لكم ببيتين لهذا الخبيث المخبث نزار قباني وإنما أتيت به بمناسبة الأنا -عبادة الأنا- والشرك بالله عز وجل عن طريق عبادة الذات، يقول بلسانه: مارست ألف عبادة وعبادة فوجدت أفضلها عبادة ذاتي والواقع أنني أشهد بالله العظيم أن هذا الكافر العنيد ما مارس أي عبادة إلا عبادة ذاته وعبادة الشهوة، وعبادة المرأة التي يوم كان المسلمون يقولون: نشهد أن لا إله إلا الله، كان هو يقول للمرأة: أشهدُ ألا امرأةً إلا أنتِ، كما أخرج كتاباً بهذا اللفظ، فالرجل لم يكن يعبد إلا نفسه وشهوته، فعبادته لذاته هي الأولى والأخيرة، وإنما صرحت بكفره؛ لأنه ثبت عندي؛ لأنه قال ما قد ذكرت لكم، وقال أبشع وأفضع وأشنع منه، ولست أحفظ من شعره كثيراً؛ لكنني أذكر أنه نسب إلى الله تعالى من النقائص والعيوب في شعره -كالملل والعجز والضعف وغير ذلك- ما يكفر به قولاً واحداً عند جميع المسلمين إلا أن يتداركه الله بتوبة ويسلم من جديد؛ لأن الإسلام يجب ما قبله، والإنسان ما دامت روحه في جسده فقد يتوب، فيتوب الله عليه مرة أخرى، ويقول هذا المستكبر: أنا أرفض الإحسان من يد خالقي قد يأخذ الإحسان شكلاً مفجعا فانظر كيف عبادة الأنا والعياذ بالله، ويا سبحان الله! وتبارك الله! وما أحلم الله! يعني: السمع والبصر والفؤاد والجسم والبدن والهواء والأكل والشرب والحنان والعطاء والصحة والعافية والرزق، ممن أتت بهذا المسكين؟ {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53] ومع ذلك يرفض الإحسان، فتبارك الله ما أحلمه!!