وقد أعجبني أن أسوق لكم هذه القصة، وهي رواية إسرائيلية، لكن فيها لمحة حسنة جميلة أحببت أن ألفت لها نظر أحبابي: والقصة رواها ابن أبي الدنيا في كتاب اليقين يقول بكر بن عبد الله المزني وهو من التابعين: [[إن الحواريين فقدوا عيسى عليه السلام -فقدوا نبيهم- فذهبوا يبحثون عنه، فجاءوا إلى شاطئ البحر فوجدوه في البحر والموج يرفعه تارة -أي: يمشي على البحر- ويضعه مرة أخرى، وعليه إزارٌ ورداء، فأقبل نحوهم، فلما اقترب منهم قال له أحد الحواريين -ولعله من أفضلهم-: ألا أجيء إليك يا نبي الله، أأخوض البحر إليك؟ قال: نعم تعال، فوضع الرجل الحواري رجله اليمنى في البحر، فلما وضع اليسرى قال: غرقت غرقت يا نبي الله، فمد يده عيسى عليه السلام إليه وقال: أرني يدك يا قصير الإيمان، أي: أعطني يدك يا قصير الإيمان.
لو أن لابن آدم من اليقين قدر شعيرة لمشى على الماء]] .
وقد يقول قائل: لماذا تذكر هذه القصة؟ أولاً: القصة صحت أو لم تصح فهذا موضوع آخر، وهي رواية إسرائيلية ذكرها بكر بن عبد الله المزني وهو تابعي -كما ذكرت لكم- لكن السلف لم يجدوا حرجاً من سياق بعض الإسرائيليات التي لا يكون فيها غرابة ولا نكارة؛ لأن معجزات الأنبياء أو بالأصح لأن آيات الأنبياء حق، فالنبي قد يمشي على الماء، وقد يُخضع الله له من نواميس الكون الشيء الكثير، فليس في القصة غرابة ولا نكارة، وإنما مقصودي بها أن كثيراً من الناس شدة خوفهم تمنعهم من أن يعملوا أي شيء، وبالتالي يحسون بالعجز كما أحس هذا الرجل حين وضع رجله في الماء فأحس أنه يغرق، فقال: غرقت يا نبي الله، لكن لو كان عند الإنسان توكل على الله عز وجل وثقة به؛ لربما استطاع أن يتغلب على كثير من العقبات ولا يشعر بالغرق! إذاً: لابد من اليقين، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم من ضمن ما كان يدعو به في مجلسه، أنه كان يقول: {اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا} فقد يبدأ الإنسان بمشاريع أو يفكر على الأقل بمشاريع خيرية كثيرة، مشروع كتاب، مشروع درس، مشروع إصلاح، أمر بالمعروف، نهي عن منكر، تكوين حلقة علمية، أي عمل يمكن أن يخطر في بال أحدنا، فما هو المانع الذي يمنعه من ذلك؟ إنه الخوف من أنه سوف يفشل في هذا العمل، فلا بد من اليقين، والحديث الذي ذكرته: {اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك} رواه الترمذي وحسنه ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.