وهذا علي بن أبي طالب، البطل الشجاع الذي لم يكن الموت عنده يساوي شيئاً ولا يخافه ولا يرهبه، لسان حاله يقول كما قال الشاعر: ماضٍ وأعرف ما دربي وما هدفي والموت يرقص لي في كل منعطفِ وما أبالي به حتى أحاذره فخشية الموت عندي أبرد الطرف فهو يقول خشية الموت عندي نكتة باردة، وأنا لا أخاف الموت! فخشية الموت عندي أبرد الطرف.
وكان رضي الله عنه يقول: [[والله ما أبالي وقعت على الموت أو وقع عليَّ الموت]] وكان يخوض المعركة ويضرب بسيفه حتى ينكسر وهو يقول: أي يوميَّ من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجي الحذر وانظر كيف هي الحكمة! وانظر الفهم! وانظر الإدراك! وانظر كيف تحولت المعاني من كلام يقال على لسانه إلى واقع يحكم حياته! يقول علي رضي الله عنه: أي يوميَّ من الموت أفر يوم لا قدر أم يوم قدر يعني: متى أفر من الموت؟ والآن أنا مقبل على معركة، فهل يحق لي أن أخاف من الموت؟ يقول: لا يحق لي أن أخاف! لماذا؟ لأنه إن كان مقدوراً عليه أن يموت فسيموت ولو بغير المعركة، وإذا كان المقدور أن ينجو فإنه لن يموت بسبب دخوله المعركة: أي يوميَّ من الأيام أفر؟ يوم لا قُدّر أم يوم قدّر يوم لا قدر لا أرهبه ومن المقدور لا ينجي الحذر ولذلك مما يتعلق بسيرته رضي الله عنه وأرضاه: أنه كان رضي الله عنه كما جاء في روايات عديدة يخبر أنه مقتول، وأنه يعرف قاتله، وليس بالضرورة أنه يعرفه باسمه، لكن يدري أنه مقتول، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، ألا تخبرنا من سيقتلك فنقتله؟ فالإمام رضي الله عنه بحكمته وإدراكه وذكائه قال: إذاً تقتلون غير قاتلي، فكر فما هو معنى هذا الكلام؟! معناه أن من هو مكتوب له أنه يقتلني سيقتلني.
إذاً: لا يمكن أن يقتل قبل أن يقتلني، فهو لا بد أن يقتلني، فلو قتلتم أحداً لكان هذا الذي قتلتموه ليس هو الذي كتب وله أنه سيقتلني؛ لأنه مكتوب عند الله أن الذي سيقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو عبد الرحمن بن ملجم فلابد أن يقتله عبد الرحمن بن ملجم، ولو قتلتم رجلاً آخر، فلن يكون هو قاتل علي [[إذاً: تقتلون غير قاتلي]] .
قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة:51-52] فهذا المنطق في فهم الموت؛ أكسب المؤمنين على مدار التاريخ شجاعة في الحروب.
وقوة، حتى كان الواحد منهم يخوض المعركة ويتعرض للموت، وليست مسألة أنه يخاف ولا يتعرض للموت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصف خير الناس وأفضلهم: {رجلٌ مؤمن على متن فرسه يقوده في سبيل الله يبتغي الموت أو القتل مظانه} أي: إن هذا الرجل يبحث عن الموت، وليس هو خائفاً أو تغلب على الخوف، بل هو يبحث عن الموت.