وقد قرأت في سير بعض المجاهدين المتأخرين في كتاب لـ حافظ وهبه عن تاريخ الجزيرة العربية، يذكر أن بعض المعروفين بالإخوان الذين قاتلوا مع الملك عبد العزيز وكان منهم شجعان وأقوياء؛ فيقول: إن شخصاً منهم أتى إلى الشيخ، وهو موجود في المسجد -ولاحظ الصدق في البساطة، والوضوح بدون تكلف- والشيخ عنده عصا كانوا يسمونها المشعاب -فقال له: يا شيخ أنا منافق وبكى، قال: ما الذي بك؟ قال: نعم أنا منافق! إني إذا خضت المعركة أشعر بشيء من الرهبة في قلبي، وقد يمر في خاطري ذكر زوجتي وذكر ولدي، وأنا في صلب المعركة، وهذا لا يليق بالمؤمن، وهذا لا يليق بالمسلم، فأخبره الشيخ وقال له: يا ولدي، بارك الله فيك وثبتك الله، هذا أمر طبيعي، وهذا أمر جبلي، وذكره بـ عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، وكيف أنه في معركة مؤتة مرت في خاطره هذه الأشياء فتأخر بعض التأخر، فقال: يا نفس، إلى أي شيءٍ تتوقين؟ تتوقين إلى زوجتي، فهي طالق إلى عبيدي؛ فهم أحرار إلى مالي فهو صدقة لله عز وجل؛ ثم خاض المعركة وقاتل حتى قتل، وما زال يذكر له من هذه القصص ويورد عليه، فلما انتهى قال له هذا الرجل ببساطته وصدقه وإخلاصه: والله الذي لا إله إلا هو ما أخرج من عندك حتى تخرج النفاق من قلبي بعصاك هذه، فهو يطلب منه أن يؤدبه حتى يخرج هذا النفاق من قلبي ما هو هذا النفاق؟ النفاق أنه يحس بشيء من الرهبة، أو يتذكر شيئاً من الدنيا.
فهذا المنطق في فهم الموت أكسب المؤمنين شجاعة لا توصف؛ وما أخبار المجاهدين الأفغان عنا ببعيد، وكيف أنهم شباب أحياناً وقد اطلعت على كثير منهم ورأيت أسماءهم وسمعت بهم ورأيت منهم الكثير، تجد شاباً ما طرَّ شاربه، فهو في أعمار أولادنا! يخجل الإنسان من هؤلاء، فتجد الواحد منهم يترك دنياه ويذهب ليبحث عن الشهادة، وبغض عن رأيي الخاص في هذه القضية، وهل هناك تشجيع قوي للجهاد في أفغانستان، أم لا؛ فهذه قضية أخرى ليس لها مجال الآن؛ لأني تكلمت عنها وسأتحدث عنها -إن شاء الله-.
لكن أقول: إن مجرد كون هذا الشعور القوي عند هذا الشاب -يبحث عن القتل في سبيل- فهذا شعور كبير يستحق الإشادة.