والإمام ابن الجوزي رحمه الله في كتاب صيد الخاطر له كلمة جميلة، وضع لها المحقق عنواناً: إفاقة المحتضر، والمحتضر هو الذي نزل به الموت، يقول رحمه الله: أظرف الأشياء وأعجب الأشياء! إفاقة المحتضر عند موته، فإنه ينتبه انتباهاً لا يوصف، ويقلق قلقاً لا يُحد، ويتلهف على زمانه الماضي، ويود لو ترك للتدارك، أي: لو من أن يتدارك ما مضى، ويصدق توبته على مقدار يقينه بالموت، ويكاد يقتل نفسه قبل موتها من الغم والأسف، يقول: ولو وجدت ذرة من تلك الأحوال في أوان العافية؛ لحصل كل مقصود من العمل بالتقوى، فالعاقل من مثل تلك الساعة -التي سوف يلقاها عند موته- وعمل بمقتضى ذلك، فإن لم يتهيأ له تصوير ذلك على حقيقته؛ تحايل على أن يتصوره على قدر إمكانه، كما روي عن حبيب العجمي أنه كان إذا أصبح يقول لامرأته: إن مت اليوم ففلان يغلسني، وفلان يحملني، فهو يتصور الأمر كأنه قريب، ولم يجعل هاجس الموت آخر ما يخطر في باله.
وذُكر رجل، بالغيبة عند معروف -وهو أحد الزهاد المعروفين- فقال معروف للمتحدث: اذكر القطن إذا وضع على عينيك.