حكم السواك في نهار رمضان

الثانية عشرة: مسألة أن كثيرٌ من الناس يتجنبون السواك في نهار رمضان كله، وهذا خطأ، لأنه لا تعارض بين السواك والصيام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول -كما في الصحيحين: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة} والحديث الآخر: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع -أو عند- كل وضوء} ؛ فالصواب أنه يشرع للصائم أن يستاك كما يشرع لغيره.

أما عند صلاة الفجر وصلاة الضحى وما أشبهه مما يكون في أول النهار فهو مشروع عند سائر أهل العلم، وكذلك عند الوضوء في أول النهار، وما أشبه ذلك مما يقع قبل الزوال.

أما ما يقع بعد الزوال، فقد ذهب بعض أهل العلم أنه لا يشرع لحديث علي رضي الله عنه: {إذا صمتم فاستاكوا بالغداة، ولا تستاكوا بالعشي} أي: استاكوا في أول النهار، ولا تستاكوا في آخره، ولكن هذا الحديث -حديث علي - رضي الله عنه ضعيفٌ جداً، فقد رواه البيهقي، والدارقطني وغيرهما وسنده في غاية الضعف، فلا يحتج به، وقد عارضه حديث آخر وهو وإن كان ضعيفاً أيضاً إلا أنه خيرٌ من حديث علي رضي الله عنه، وهو: {رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يستاك وهو صائم} ويُغني عن هذين الحديثين، قوله صلى الله عليه وسلم: {لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة} {عند كل وضوء} فيدخل في ذلك الصلاة والوضوء للصائم وغير الصائم، وقبل الزوال وبعد الزوال، فيدخل في هذا الحديث السواك لصلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء والوضوء لهذه الصلوات كلها.

وكذلك يستحب للإنسان أن يستاك في مواضع أخرى، فإن المواضع التي يشرع للصائم، وللإنسان أن يستاك فيها ستة مواضع: 1- عند الصلاة: لقوله صلى الله عليه وسلم: {عند كل صلاة} .

2- عند الوضوء: لقوله صلى الله عليه وسلم: {عند كل وضوء} .

3- عند قراءة القرآن: وقد جاء في هذا أحاديث، عن علي رضي الله عنه وغيره: {إن أفواهكم طرق القرآن فطيبوها بالسواك} وهذه الأحاديث لا يخلو شيء منها من مقال ففيها ضعف.

4- عند دخول المنزل: لما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: {أنها سُئلت بأي شيء يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته، قالت: بالسواك} 5- عند تغير رائحة الفم: لقوله صلى الله عليه وسلم، كما في سنن النسائي وغيره بسندٍ صحيح: {السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب} فقوله: مطهرة للفم دليلٌ على أن السواك يشرع لتطهير الفم وتنظيفه.

6- عند الاستيقاظ من النوم: لحديث حذيفة المتفق عليه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من النوم يشوص فاه بالسواك} .

إذاً يشرع للإنسان أن يستاك في هذه المواضع الستة، سواء أكان صائماً أم غير صائم، أما ما يظنه بعض العلماء من قول النبي صلى الله عليه وسلم: {لخلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك} من أن الاستياك يعارض هذا الحديث فهذا ليس بجيد: 1- لأن الخلوف من المعدة، فهو رائحة تنبعث من المعدة؛ بسبب خلوها من الطعام، وليس من الفم، إذاً السواك لا يزيل الخلوف، ولا مدخل له فيه.

2- إن كثيراً من العلماء قالوا: إن هذه الرائحة هي عند الله تعالى أطيب من ريح المسك {لخلوف فم الصائم أطيب عند الله} بل جاء في بعض الأحاديث {يوم القيامة} .

إذاً لا تعلق لذلك بأمور الحياة الدنيا، والسواك لا يضر ذلك، بل هو يزيد رائحة الفم عند الله تعالى طيباً إلى طيب، فإن السواك -أيضاً- مما يرضي الله عز وجل، وهو مما أمر الله تعالى به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

وأما إذا بقي شيء في فم الإنسان من أثر السواك، فعليه حينئذٍ أن يزيله دون أن يفضي به إلى الوسوسة، فإن كثيراً من الناس يشقون على أنفسهم، ويبالغون ويشددون فيشدد الله عليهم، وربما يُبتلون بألوانٍ من البلايا والمصائب؛ بسبب مبالغتهم في ذلك، فيبالغ الواحد منهم -مثلاً- في إخراج بقايا السواك من فمه، أو يبالغ في إخراج بقايا الطعام بعد السحور من فمه، أو يبالغ حتى في إخراج الريق من فمه، فإذا تعقد ريقه حاول إخراجه، وشق على نفسه، وبعضهم يجد مشقة عظيمة في المضمضة والاستنشاق، وكل ذلك من الآصار والأغلال التي وضعها الله سبحانه وتعالى عن هذه الأمة، قال الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة:286] قال الله تعالى قد فعلت، فكل الآصار والأغلال التي كانت على الأمم السابقة، قد وضعها الله تعالى عن هذه الأمة، فينبغي علينا -عباد الله- أن نيسر على أنفسنا وعلى غيرنا في هذه الأمور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015