المحذور الخامس: قد يقول البعض أنا لا أفتي، وإنما أنا أنقل فتاوى أهل العلم، وكثير من الناس يتساهلون في نقل الفتيا، حتى العوام أحياناً، تجده في المجلس يقول لك: أنا كنت في مجلس الشيخ فلان؛ فسئل عن كذا فقال كذا، وقد يتكلم في مسائل كثيرة، ولا شك أن نقل الفتيا، ليس مثل الفتيا نفسها، لكن هل كل إنسان يحق له أن ينقل الفتيا؟ أقول: لا، لا ينقل الفتيا إلا من فهمها فهماً جيداً أولاً، ثم من كان لدية القدرة على نقلها بصورة صحيحة، ثم من يوثق بأنه يملك قدراً من العلم يجعله يعرف الفرق بين الأشياء، ويدرك ما يؤثر في الحكم وما لا يؤثر، وما يغير معنى الكلام وما لا يغير.
واليوم -أيضاً- أصبحت وسائل التوثيق موجودة، وبإمكانك أن تكتب هذه الفتيا على ورقة أو أن تسجلها في شريط، حتى تكون موثقة ومطمأناً إليها، فلو أحببت أن تنشرها للناس، فأطلع عليها هذا العالم الذي أفتى بها، وافترض أنك سألت عالماً عن مسألة، فأفتاك فيها بقول وقد يكون أفتاك بملابسات شخصية تعنيك أنت، وقد يكون تسامح في العبارة، فاكتب هذه الفتيا في ورقة واعرضها على الشيخ، وقد حصل أن أحد العلماء المشار إليهم بالبنان، كان يتكلم مع طلابه، وطلابه يسجلون ما يقول ويكتبون بعده، فلما عرضوه عليه، أصلح منه أشياء كثيرة، وعدل وزاد ونقص، وهذا أمر طبيعي ليس بالغريب، لكن يجب أن نفهمه حتى لا ننقل فتيا أحد إلا بعد التثبت منها.