Q ما مستقبل الصحوة الإسلامية؟ وما المحاذير والعقبات التي تقف في طريقها من وجهة نظر الشيخ سلمان العودة؟
صلى الله عليه وسلم بالنسبة لمستقبل الصحوة، وهو مستقبل الإسلام أيضاً، فهو من جهة: مستقبل مضمون، وأعجب كيف يقلق قوم بين أيديهم كتاب الله عز وجل الذي يقول: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة:33] ويقول: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور:55] ويقول: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128] ويقول: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] إلى آخر حشد هائل من النصوص، وأحاديث من السنة، تؤكد أن الأمة باقية والإسلام باقٍ: {بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر} فالمستقبل لهذه الأمة ولهذا الدين ولهذه الصحوة بلا شك.
لكن هذا المستقبل؛ قضى الله تعالى وقدرَّ، أنه يتم من خلال جهد الناس وتضحيتهم وعرقهم وسهرهم وجهادهم، والله تعالى قادر على أن يكون ذلك بواسطة ملائكة ينزلون من السماء، لكن شاء جل وعلا أن يكون هذا أثر من جهود الناس الذين ابتلاهم واختبرهم بهذا، لذلك فمن البدهي أن نقول: إن المستقبل لهذا الدين ولهذه الأمة، وللإسلام.
وقد يكون في الطريق عقبات كثيرة ومتاعب ومصاعب، كما قال عز وجل: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا} [التوبة:16] وذكر في آيات كثيرة الابتلاء وأنه سنته في خلقه.
فهناك محاذير وعقبات تواجه الدعاة إلى الله عز وجل، وقد تؤخر أو تؤجل من النصر الذي يمكن أن يحصل عليه المسلمون.
ومن أهم هذه المحاذير: التفرق، فإن الله عز وجل قال: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] فإن التفرق والشتات من أهم أسباب الفشل، وذهاب الريح، وتسليط الأعداء، قال الله: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام:65] إذ أنه يفتت الجهود ويشتتها، ويضرب بعض الدعاة ببعض، ويحول الجهد بدلاً من أن يكون مضاعفاً ضد العدو، إلى أن يكون العدو بعافية وبمنجاة، والجهد يضرب بعضه بعضاً، فيحطم بعضه بعضاً.
ومن أهم المحاذير التي تخشى دائماً وأبداً: أن يندفع الدعاة إلى الله عز وجل والمؤمنون بعواطفهم قبل أن يحتكموا إلى منطق العقل، وقبل أن يستشيروا من هم أوسع منهم علماً، وأوضح منهم وأكثر وعياً، وأكثر قدرة على تصور الأمور ومعرفة النتائج والإيجابيات والسلبيات.
إن مما نواجهه ونجده عياناً: أن الصحوة في أكثر من بلد إسلامي، أينعت وكادت أن تصل إلى حد أن تقطف الثمرة، ويحقق الله لها خيراً كثيراً، ويكون لها مكانة بين الناس، وتصل إلى كل بيت وإلى كل شخص.
ولكن يكون هناك تحرك غير مدروس، أو يكون هناك تسرع، أو يكون هناك استجابة لبعض دوافع الاستفزاز، أو يكون هناك انفعالات تدعو إلى الدفاع، وتدعو إلى تصرف طائش، وتدعو إلى استخدام القوة في غير أوانها، أو في غير مكانها، وبأسلوب غير مناسب وممن لا يملك مثل هذا الحق، فتؤدي إلى أن تكون هذه عقبات في طريق الصحوة.
وقد يخسر الدعاة شيئاً كثيراً دون أرباح تذكر، وما السبب إلا أنهم استجابوا لنوازع ودوافع واندفاعات، وربما الواحد منهم يريد أن يعبر عن شعور في نفسه، أو عن غضب، أكثر مما يبحث عن عز ونصر للإسلام والمسلمين.
وأعتقد أن قضية الدعوة إلى الله عز وجل، ليست تنفيس عواطف، ولا مسألة تفريج انفعالات يحسها الإنسان، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب} فليجرب الداعية نفسه، هل هو فعلاً وقاف عند حدود الله تعالى؟ إذاً: قد يبلغ به الانفعال ذروته وأوجه، ومع ذلك يمسك ويلجم نفسه بلجام التقوى، والخوف من الله تعالى، فلا يتحرك إلا حيث يعتقد أن الشرع يريد منه أن يتحرك، ولا يندفع أي اندفاع يعتقد أنه يضر بالدعوة، وأحياناً شدة الاندفاع قد تجعل الإنسان يعمى، حتى عن معرفة النتائج وحسن تقديرها.
وأعتقد أن من أعظم المخاطر والمحاذير والعقبات، التي نستطيع أن نقول: إنها أثرت تأثيراً بالغاً في مسيرة الدعوة الإسلامية في أكثر من بلد هي الاندفاعات غير المدروسة، واستخدام القوة بأساليب ليست شرعية ولا يقرها النظر الصحيح، بل إن النتائج تؤكد أن آثارها السلبية كبيرة، ونتائجها الإيجابية إن لم تكن معدومة، فهي ضئيلة جداً.
فما أحوج الدعاة إلى الله عز وجل، أن يتذرعوا بالصبر والحلم وسعة البال وطول النفس، وإذا أشكل عليهم أمر أن يرجعوا إلى علمائهم، وإلى من هم أقدم منهم وأوسع علماً، ويستنيروا بالآراء، والعاقل من حنكته التجارب، ومن اتعظ بأمسه ليومه.
فهذه من أعظم المحاذير التي يُخشى على مستقبل الصحوة الإسلامية منها.
أما إذا سلكت الصحوة الإسلامية أسلوب الحكمة، وأسلوب الدعوة الهادئة، فأعتقد أن النفوس تملك قدراً كبيراً من التأهيل لقبول ما لدى الدعاة، ولسماع كلام الله عز وجل وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستفادة من الموعظة، ومن الحكمة.
وهناك مؤشرات كبيرة تدل على هذا منها: قرب النفوس من الخير، واستعدادها لذلك.
فأرجو الله عز وجل وأسأله أن يجنب شباب الصحوة وشباب الدعوة مثل هذه المزالق والمنعطفات، التي لا تعود عليهم بمصلحة، لا في دينهم ولا في دنياهم.
وكم من إنسان يذهب من هذه الدنيا، يعتقد أنه مجاهد وموحد، لكن قد يكون مأزوراً غير مأجور، لأنه ما حسب حسابات صحيحة، ولا درس الأمور دراسة صحيحة، ولا عمل بما يقتضيه الشرع، وما تمليه العقول السليمة، فأدت إلى نتائج أضرت به وبدعوته.