وكم سمعنا من صور سوء الخاتمة ما يتقطع له الفؤاد أسىً، وقد حدثني أحد الثقاة أن صديقاً له أيضاً من الناس الطيبين الصالحين لا حظه في بعض الوقت وقد بدأ عنده نوع من التعب وضيق الصدر وشرود البال حتى خاف عليه، حتى إنه لا يكاد يأكل ولا يشرب ولا يطعم ولا يتحدث ولا يجلس مع الناس، وكان صديقاً له فجاء إليه، وقال له: يا أخي ما لك؟ فأبى أن يخبره، فأصر عليه، وقال: إما أن تخبرني وإما أفارقك فلا أصحبك أبداً، فما قيمة الصداقة إذا كنت تخفي عني أموراً ولا تبديها، فقال له: يا أخي الأمر شديد وخطير، كان لي أخ، وكان رجلاً مسرفاً على نفسه، واقعاً في المعاصي، فمرض وضعف واشتد به المرض حتى كان في حال الاحتضار، فقال لي: اذهب وأتني بالمصحف، يقول: فتطلع قلبي وسررت، وقلت: لعل الله كتب لأخي أن يتوب في هذه اللحظة من حياته، لعله يريد أن يضعه على صدره، يموت مطمئناً، فبعض الناس يكون لهم هذا الشيء، بغض النظر عما إذا كان هذا الأمر مشروعاً أو غير مشروع يقول: فأحضرت المصحف، فقال لي والعياذ بالله: إنه كافر بهذا القرآن، يقول: فوالله إن الدنيا كلها أظلمت في عيني؛ لأنني في الماضي كنت أرى فعل الفسق، وأراه على المعاصي وأشك فيه، لكن كان الأمل عندي موجوداً، ورحمة الله سبحانه وتعالى واسعة، لكن بعد ما لفظ هذه الكلمة في اللحظة الأخيرة من عمره، يقول: صرت أتصور أخي وهو في هذا العذاب الذي لا يفتر، ثم أتصور ما يئول إليه في يوم القيامة من العذاب الذي لا يمكن أن ينفك عنه أبداً.
وأنتم تعلمون أن الله عز وجل حرم الجنة على الكافرين، وفي الحديث الصحيح: {أن رجلاً كان يقاتل مع المسلمين قتالاً شديداً، ولا يترك شاذة ولا فاذة إلا تعرض لها، فقال الصحابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسن ما أبلى فلان اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو في النار -حتى كاد بعض الصحابة أن يرتاب، كيف في النار؟! هذا الرجل الذي جاهد أحسن مما جاهدنا يحكم له الرسول صلى الله عليه وسلم بالنار، والحديث صحيح- فقال رجل: والله لأنتظرن ما يفعل، فصار يلاحقه ويتابعه في المعركة، فجاءوا إلى رسول الله صلى عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله قتل فلان شهيداً، قال: هو في النار، -فزاد شكهم وحيرتهم في ذلك، فبينما هم كذلك إذ جاءهم خبر يقول: لا، إن الرجل لم يقتل، وإنما جرح وما زال حياً، وذلك الرجل يراقبه ويصحبه، حتى اشتدت به الجراحة، فقام ووضع السيف على الأرض وذبابة السيف إلى أعلى، ثم وضعها في صدره أو في بطنه واتكأ على السيف والعياذ بالله حتى خرج السيف من ظهره ثم مات- فجاء الرجل وقال: يا رسول الله، أشهد أنك رسول الله، قال: وما ذاك؟ قال: الرجل الذي قلت هو في النار اشتدت به الجراحة فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله، قم يا فلان فناد في الناس: إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر} فهذه صورة من صور سوء الخاتمة.
أعتقد أنني قد أكون أطلت عليكم، فأكتفي بما ذكرت، وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يجيرني وإياكم من مكايد الشيطان، وأن يحفظنا على ذلك حتى نلقاه، وإنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.