الدعوة إلى البدع

فإذا عجز الشيطان عن الإنسان عن طريق شغله في عبادته، انتقل إلى المرحلة الخامسة: وهي أن يدعوه إلى البدعة.

فيقول له: أنت عابد، مصل صائم تخلصت من كيد الشيطان، ويجره إلى مزيد من الخير، حتى يوقعه في الطرف الآخر، فكما أن المعاصي ضرر ووسيلة وبريد للشيطان، كذلك البدعة والغلو في الدين وسيلة للشيطان.

وخذوا مثالاً واضحاً في هذا: قضية الخوارج الذين ظهروا في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وما بعده، ما أتاهم الشيطان من جهة العبادة.

كان ابن عباس يذهب إليهم ويقول عنهم: كانت جباههم كأخفاف الإبل، قد تمتنت من طول السجود والعبادة، وكانوا شباباً إذا رأيتهم أنضاء عباده وأطلاح سهر، تقول: بهم مرض وما بهم من مرض، ولكنه من طول الصيام والعبادة والقيام، لكن كان الصحابة إذا رأوهم يبكون كما بكى أبو بكرة رضي الله عنه وغيره، ويقولون: [[كلاب النار، كلاب النار]] ويقول بعضهم: لولم أسمع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالها مرة ولا مرتين ولا ثلاث ما قلتها، وقال صلى الله عليه وسلم: {لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد} ؛ لأنهم زادوا في العبادة والزيادة في العبادة ممنوعة كالنقص فيها؛ لأن العبادة تشريع وتوقيف من عند الله ولا أعني بالزيادة أن تقوم الليل فتصلي أكثر من ثلاث عشرة ركعة، فهذا لا يدخل في هذا الباب، وإن كان من الأولى والأفضل للإنسان دائماً الالتزام بالسنة في كل شيء، ولا على ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم من مزيد، لكن لأنهم زادوا في العبادة بمعنى أنهم غلوا، وصارت نتيجة عبادتهم أنهم أصيبوا بالغرور، وأصيبوا بالعجب الذي جعلهم ينظرون إلى الناس، على أنهم عصاة وفساق وجهلة ومرتدون، وهم وحدهم المسلمون، حتى كفروا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، والشيطان يضحك عليهم، وهم يعتقدون أنهم قد أرغموا الشيطان، وقد أهانوا الشيطان، وداسوه بأقدامهم، والحقيقة أن الشيطان يرقص في رءوسهم ويضحك مسروراً بهذا، لأن هذا يشبع رغبة عدد من الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015