حرص الشيطان على أن يختم للإنسان بسوء الخاتمة

وإذا عجز الشيطان عن هذه الأشياء كلها فإنه لا يضع رجلاً على رجل، ويترك -كما يقولون- الحبل على الغارب، بل يظل يجاهد الإنسان حرصاً على سوء الخاتمة والعياذ بالله، ولذلك كان الإمام أحمد، رحمه الله، وهو ممن خبروا كيد الشيطان، فعصمهم الله تعالى منه، كانت الشياطين تخاف من الإمام أحمد، ولعلكم جميعاً تذكرون القصة الصحيحة عنه أن رجلاً أصيب بجن في بغداد -أصابه الجنون- فعجز عنه الأطباء والقراء، فذهب أهله إلى الإمام أحمد، وقالوا: إن هاهنا رجل أصابه جن، فأعطاهم الإمام أحمد رحمه الله نعلاً، وقال: اذهبوا إليه وقولوا له: يقول الإمام أحمد: يخرج وإلا جئت لأضربه بهذا الحذاء، فلما قالوا هذه الكلمة عند الرجل المجنون، قال الجني: بل أخرج، الإمام أحمد أطاع الله فأطاعه الجن.

لقد ابتلي بالمحنة فصبر وخرج منها كما يخرج الذهب من النار نقياً مصفى، ووقف هو في طرف والدنيا كلها بما فيها الخليفة في طرف آخر، وضُرب وجُلد وكان يغمى عليه، ويسيل الدم منه وهو صابر، فيعرضون عليه الطعام فيأبى أن يفطر، وكان يصلي والقيود في رجليه والدماء تسيل منه، فهذه صورة من صور الثبات على المبدأ، لو كانت عند غيرنا، ولو كانت عند الأمم الأخرى الكافرة، لشغلوا بها الدنيا، وملئوا بها أسماع الناس.

المهم أن هذا الإمام الجليل حفظ الله فحفظه الله، فلما كان آخر لحظة من حياته حاول الشيطان محاولة أخيرة أن يضعف بعض هذا المستوى الإيماني الرفيع الذي وصل إليه الإمام أحمد، فمر من عنده الشيطان، وقال: فتني يا أُحَيمِد، فُتّني يا أُحَيْمِد أي يقول: أفلت منى ويئست منك، فقال له الإمام أحمد: لا بعد، لا بعد -وكان في نوع من الغيبوبة- فلما صحا قالوا له: إنك تقول كذا، قال: إن الشيطان عرض لي، يقول: فتني يا أُحَيْمِد، فأقول له: لابعد، لابعد، أي: ما فتك، لأنه لو وافق الإمام أحمد الشيطان على أنه فاته، لكان هذا مدخلاً ذكياً للشيطان أن يضعف المستوى الإيماني عند الإمام أحمد في اللحظة الأخيرة من لحظات حياته.

فالشيطان إذاً يعمل هذه الأشياء كلها، بل هو مع نجاحه فيها، يحرص على أن يسيء للإنسان الخاتمة، وهذا الأمر كان يقلق بال الصالحين ويقض مضاجعهم، حتى وهم يعبدون الله يخافون أن يأتيهم الشيطان وهم في حال الاحتضار، فيغريهم أو يضرهم، ولا عصمة للإنسان من هذا إلا أن يكون في حال حياته مع الله سبحانه وتعالى كثير الاستعاذة من الشيطان، ويحصن نفسه من الشيطان بالحصون المنيعة من الذكر والقرآن والدعاء والعبادة وصحبة الأخيار وغير ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015