طريق الشبهات

الطريق الأول: طريق إثارة الشبهات في قلبه، يشككه في الله، أو في الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في القرآن، أو في الجنة، أو النار، أو في البعث، فإذا استقرت هذه الشكوك في قلب الإنسان، وامتلأ بها ضميره، فإنه حينئذٍ يكون قد سلم قياده للشيطان، وانتهى منه الشيطان.

ولكن قبل أن نغادر هذه النقطة، أقول: يجب أن نفرق بين الوساوس التي قد تعرض لكل إنسان، وبين العقيدة المستقرة في القلب، فما من إنسان إلا والشيطان يحاول أن يغريه، ويحاول أن يثير عليه الشكوك والوساوس، وخاصة في فترة الشباب وفترة التفكير، فيبدأ الإنسان يضرب يمنةً ويسرةً ويفكر، وقد يحاول الشيطان أن يلقي إليه بقدر ما يستطيع بعض الشبهات، فتجد هذا الإنسان -وكم رأينا من بعض الشباب، حتى الذين فيهم خيرٌ وصلاحٌ واستقامة- تجده يعيش حياته في قلق، لا يهدأ له بال، ولا يستقر له ضمير، ولو فتشت لوجدت أن الشيطان قد ألقى في قلبه شبهة من الشبهات، أو وسوس له بشيءٍ ما نغص عليه حياته.

ثم بدأ يقول له: أنت الآن على حال من الكفر، أو شك في الدين، ومن الممكن أن الموت يداهمك اليوم أو غداً، فتموت كافراً، وهذا الشعور يقلق الإنسان كثيراً، يقلقه كثيراً أن يشعر أنه لم يستقر الإيمان في قلبه، وأن الموت يهدده في كل لحظة، فهو حريص على أن يمتلئ قلبه إيماناً، لكن ليس بإمكانه ذلك بين عشية وضحاها.

فأقول: هنا يجب ألا ننخدع بهذه القضية، لأن هذه ألعوبة محبوكة من الشيطان، لكن يجب أن نكون منتبهين لها، ربما يكون قصد الشيطان هنا، إضافة إلى أنه يحرص بطبيعة الحال على أن يضل الإنسان، قد يكون قصده من جانبٍ آخر، وهو أنه ينغص على المؤمن عيشه، ولا تظن أن الشيطان لا يفكر في هذه الأمور، حتى الحزن، يحرص الشيطان على أن يكون الإنسان حزيناً، وقد ذكر الله تعالى هذا في كتابه، فقال: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [المجادلة:10] والشيطان حريص على أن يكون الإنسان فقيراً: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] فربما يكون قصد الشيطان هنا أن ينغص عليك الحياة، ويجعلك في حال من التوتر والهم والحزن شديد، على الأقل ربما يكون من نتائج هذا أن الإنسان قد يكون عنده رغبة في الخير وحرص على الطاعات، فيضعف ويصبح إنساناً عادياً، يؤدي الفرائض، ولا يهتم بأمرٍ آخر.

فإذا قيل له: اتق الله وفكر في أمور دينك، وفكر في الآخرة، قال: يا أخي أنا لا أحب أن أفكر في هذه القضايا، لماذا لا تحب أن تفكر فيها؟ قال: لأني إذا فكرت فيها، تبدأ الوساوس، والشكوك، والهواجس تتسرب إلى قلبي، ثم إني أحب أن أبقى إنساناً لا أفكر في هذه الأمور، ولا تخطر لي على بال، يكفيني أن أكون كعوام المسلمين، أصلي وأصوم وأزكي وأحج، ولا أحب أن أدخل في نفسي مثل هذه المتاهات، وهذا لأن الشيطان يحرص على اصطياده، ولاحظوا كيف وصل الشيطان إلى ما يريد، بطريقة قد تخفى على الإنسان، فإذا وجد إنسان شيئاً من ذلك في قلبه، فأقول: أولاً: يجب أن يقنع نفسه بأن الحالة التي يعيشها، ليست حالة شك، وإنما هي حالة وسوسة تدل على صريح الإيمان في قلبه، وفي الصحيح أن الصحابة جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا رسول الله، إن أحدنا يجد في قلبه ما يتعاظم أن يتكلم به} وفي بعض الروايات قالوا: {إن أحدنا يجد في قلبه ما لأن يحترق حتى يصير حمماً، أحب إليه من أن يتكلم به} نفس الشعور الذي عندك جاء إلى الصحابة، وأخبروا سيد الدعاة صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: {أوجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة} وفي أحاديث أخرى صحيحة قال: {ذاك صريح الإيمان} وقوله: ذاك اسم إشارة قد يكون راجعاً إلى الوسوسة التي ألقاها الشيطان، لأنهم قالوا: {إن أحدنا يجد} ثم قال: {أوجدتموه؟ قالوا: نعم، قال ذاك صريح الإيمان} .

فيكون ما وجدوه هو صريح الإيمان، وقد يكون الضمير راجعاً إلى شعورهم الذي عبروا عنه بقولهم: ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به} أو {ما لأن يحترق أحدنا حتى يصير حمماً أحب إليه من أن يتكلم به} والمقصود أنك أيها الإنسان الذي قد تشعر بنفسك أحياناً بهذا الشعور، لو سألناك أنت الآن فإننا نجدك متأثراً وخائفاً، تخاف من ماذا؟ تقول: والله أخاف أن أموت على هذه الحالة، هذا نفسه دليل على أنك مؤمن، لأنه لو لم يكن عندك إيمان لما كان يهمك أن تموت على هذه الحالة، أو أن تموت على أي حال، لكن خشيتك أن تموت على هذه الحال، لأنك تعلم في قرارة قلبك أن موتك على حالٍ من الشك في نظرك يكون نتيجته أن تكون من أهل النار، وهذا الشعور يجعلك تخاف، فهو دليل على أنك مؤمن وعندك صريح الإيمان، فلا يجب أن تقلق لكن لا أقول لك لا تأبه ولا تهتم بهذا الشعور، لا.

بل ينبغي للإنسان أن يكافح هذا الأمر، يكافحه بقراءته القرآن الكريم، بالذكر، بالعبادة، بصرف التفكير عن هذه الأمور، بقراءة الكتب التي تصرف هذه الهواجس والوساوس، وأهم من ذلك، لا أقول أهم من العبادة، لكن أهم من قراءة الكتب، أن تتصل ببعض الشيوخ الذين تثق فيهم، وتعرض عليهم ما تجد، حتى لا تبقى وحدك في المعركة، بل تستعين بمن قد يكون خاض هذه الأمور أو عاشها، أو جربها، أو عرف عنها أكثر مما تعرف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015