أخيراً: إذا أفلحنا في رسم الأهداف الصحيحة، التي نسعى في الوصول إليها، والتوجه إليها بتوازن، دون أن نبرز جانباً على حساب جانبٍ آخر، كأن نبرز جانب الاهتمام مثلاً بعلم من العلوم، سواء كانت علوماً شرعية أم علوماً دنيوية، على حساب جوانب أخرى، أو نبرز في الدعوة على الجانب الأخلاقي، أو جانب الاهتمام بالقيم والسلوك الإسلامية على الجانب الاجتماعي، والاهتمام بمشاكل الناس وحاجاتهم، وتحقيق مطالبهم من لقمة العيش، أو قدرٍ من التعليم كجانب من احتياجاتهم الاجتماعية والدنيوية القريبة، أو الاهتمام بالجانب السياسي أيضاً، أو الاهتمام بالجانب الاقتصادي، فلابد على كل حال أن نهتم بالجوانب هذه كلها متوازنةً، إذا رسمنا الأهداف بدقة، وبدأنا الطريق إليها، فسنجد أننا بعد عقد أو عقدين من الزمان، بعد عشرين سنة أو أقل أو أكثر، سنجد أننا أمام أمةٍ قد دبت فيها الحياة بصورة صحيحة، وعرف المرء فيها سبيله، وأدرك كل إنسانٍ ما هو الدور الذي ينتظر منه، واتجه إليه بقدر ما يستطيع، وركز على ما يحسن وأفرغ جهده في سبيل الدعوة إلى الله عز وجل، وحينئذ تكون الأمة قد قامت بواجب الجهاد على كافة المجالات والأصعدة، وأصبحت أهلاً لأن يتحقق فيها قول الله عز وجل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج:40] كيف ننصر الله عز وجل؟! ليس معنى (نصر الله) هو فقط أن ننصر الله في معركة حربية، لا بل ننصر الله بأن نحقق الإسلام في مجال الاقتصاد، ونحقق الإسلام في مجال الطب، ونحقق الإسلام في مجال الاجتماع والخدمات الاجتماعية، ونحقق الإسلام في مجال السياسة، ونحقق الإسلام في المجال الفردي، وعلى مستوى الأمة، فإذا فعلنا ذلك كله، وحققنا الإسلام أخيراً في مجال الحرب، فحينئذٍ خضنا الحرب ونصرنا الله؛ لأننا نصرناه في كافة المجالات، فهذا مجالنا الأخير، وهو مجال القتال الذي نحتاج فيه إلى عون الله ونصره، لأننا مهما بذلنا لن نكون على مستوى قوة عدونا، فحينئذ ينصرنا الله عز وجل، ولذلك قال الله عز وجل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:40-41] فقد تثبت الأحداث أحياناً أن الله تعالى لو منحنا نصراً رخيصاً بسبب حرب أو قتال، ما استطعنا أن نقوم بتكاليف هذا النصر وتبعاته، ثم لابد ثانياً من أن ننصر الله عز وجل بعد ما مكننا، فنقيم الصلاة، ونؤتي الزكاة، ونأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر.
فحين ندرك أننا لم ننتصر في معركة عسكرية، نرجع فنقول: إن الله تعالى علق النصر على أمر مستقبلي، ينصر الله عز وجل من؟ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة، وما يدريك أنك إن مكنت أقمت الصلاة وآتيت الزكاة؟! قد يكون من بين المؤمنين من لو مكن لنكص على عقبيه، فنحتاج حينئذٍ إلى أن ننصر الله تعالى في واقعنا الفردي والاجتماعي على كافة الأصعدة، وبصورة عمليةٍ صحيحة جادةٍ ومستمرة، وألا نتوقع أن نحصل للإسلام على نصر هينٍ رخيص، يتحقق من خلال معركةٍ نخوضها، ثم نستلم الراية ونبدأ الفتح، فهذا تصور فيه قُربٌ وبساطة، ولا يتناسب مع خط سير الأحداث، أقول هذا القول، وأستغفر الله تعالى لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.