أما النقطة الأخيرة فهي وقفة مع نظام للعمل والعمال وهو نظام موجود ومطبوع، وهو المفروض نظاماً أن يكون العمل به، وقد قرأت عن هذا النظام وسجلت عليه بعض الملاحظات التالية، أقولها باختصار لأني أريد أن أقسم بعض الوقت أيضاً: أولاً: يبدو أن هذا النظام مستل في معظم مواده من قانون العمل المصري، وقانون العمل المصري مأخوذ بطبيعة الحال من القوانين الإنجليزية والفرنسية والأجنبية بشكل عام.
ثانياً: يتكلم القانون الذي سُمي (تلطيفاً بنظام) يتكلم عن مسألة الأجانب، ولا أدري من المقصود بالأجانب.
إن الأجانب في حصن المسلم هم الكفار، أما المسلم فهو أخونا، له ما لنا وعليه ما علينا بغض النظر عن بلده، أو لونه أو جنسيته أو دولته، إن هذا التعريف للأجنبي تعريف غريب؛ فالسعودي -مثلاً- هو المواطن أياً كان، لا يلتفت إلى أي شيء آخر، أما الأجنبي فهو غير السعودي أياً كان لونه أو دينه أو بلده أو عمله.
ملاحظة أخرى يقول النظام: لا يجوز اتهام العامل في مخالفة مضى على كشفها أكثر من خمسة عشر يوماً كما أن في المادة رقم (126) وفي الشرح يقول: إن إيقاع الجزاء على العامل مقابل عقوبة أو خطأ وقع فيه لا يجوز بعد ثبوت المخالفة بأكثر من ثلاثين يوماً، إذا كان العامل يتقاضى راتباً شهرياً لشهر، أو خمسة عشر يوماً لغير هؤلاء، وهذه فيها نظر؛ لأن الحق لا يسقط لمضي خمس عشر يوماً، بل يؤخذ من صاحبه ولو مضى على ذلك ما مضى.
في المادة (129) كلام جميل من الناحية النظرية: حالة صحية نظيفة لسكن العمال، حالة صحية نظيفة خالية من الروائح، تهوية للغرف، الوقاية من الغبار والدخان، الإنارة لابد أن تكون كافية، دورات المياه، المياة صالحة للشرب، مياه الغسيل … إلخ، لكن في الواقع العملي كما أسلفت، ما يدل على أننا بحاجة إلى رقابة جيدة على إسكانات العمال.
أولئك الذين يملك الواحد منهم خمسين عاملاً أو أكثر نصت المادة (137) على ما يلي: لابد مع ما سبق من وجود: أولاً: حوانيت لبيع الحاجيات التي يحتاجون إليها.
ثانياً: متنزهات وملاعب رياضية.
ثالثاً: ترتيبات طبية مناسبة.
رابعاً: مدارس لتعليم أولاد العمال.
خامساً: برامج لمحو الأمية.
سادساً: نظام للتعيينات والترقيات مناسب.
وأقول: كلام جميل، إضافة إلى ذلك فهناك الإجازات المتنوعة للأعياد السنوية فضلاً عن النفقات والمصاريف وغيرها، إجازات -كما قلت- أعياد: عيد الأضحى، عيد الفطر العيد الوطني هذا فيه إجازة أيضاً، إجازة مرضية، إجازة الوضع بالنسبة للنساء ومدتها في اعتقادي حوالي سبعين يوماً، إضافة إلى ذلك كله النظام أعطى للعامل باليد الملىء من كل الجوانب، لكن هذه من الناحية النظرية لكن من الناحية العملية، فالأمر كما أشرت إليه.
هناك قضية خطيرة تتعلق بتسوية الخلافات فيما يتعلق بالخلافات بين العمال أو بينهم وبين أرباب العمل، فهناك لجان، النوع الأول من اللجان تسمى: لجان ابتدائية، هذه في القضايا الصغيرة أو الجزئية أو المؤقتة، واختصاص هذه اللجان بعض الخصومات يرأسها حاكم شرعي ولابد أن يشارك فيها رجل حقوقي أو قانوني كما نصت المادة (173) .
النوع الثاني: وهو الخطير: اللجنة العليا التي تعتبر مجالاً للاستئناف، وتسوي الخلافات الكبيرة، وتعتبر قضاياها نهائية، هذه اللجنة تؤلف من خمسة أعضاء، ثلاثة يمثلون وزارة العمل، والرابع وزارة التجارة، والخامس يمثل وزارة البترول، ويجب أن يكون رئيس اللجنة وأعضاءها من المتصفين بالحيدة والخبرة في الشئون الحقوقية.
قال الشارح: الشئون القانونية كما نصت المادة (175) ولم يرد ذكر للشرع قط في هذه المادة.
مهمة هذه اللجان العليا: أولاً: الاستئناف كما ذكرت.
ثانياً: عقوبة من يخالف أحكام نظام العمل والعمال، أما إذا خالف الشريعة فلا عقوبة.
ثالثاً: قرارات هذه اللجان قرارات نهائية واجبة التنفيذ فوراً.
رابعاً: صلح هذه اللجان ملزم، فإذا صالحت بين طرفين فصلحها ملزم ولا يحق لأحد أن يعترض على ذلك.
المادة (185) تقول: لا يجوز لأي لجنة من اللجان المنصوص عليها أن تمتنع عن إصدار قرارها بحجة عدم وجود نص في هذا النظام يمكن تطبيقه، يعني: لا ترفض النظر في قضية، وتقول: لا يوجد في نظام العمل السعودي نص يصلح لهذه الحالة، وعلى اللجان في هذه الحالة -يعني: في حالة عدم وجود نص في قانون العمل والعمال- عليها في هذه الحالة أن تستعين بماذا؟ مبادئ الشريعة الإسلامية والقواعد المحلية، وما استقرت عليه الثوابت القضائية، ومباديء الحق والعدل، وقواعد العدالة، وهذه كلها أشياء معروفة في القانون الدولي.
في الفصل الثاني عشر هناك شيء اسمه العقوبات الجزائية، وهو يؤكد أن معظم أو كل العقوبات هي عبارة عن غرامات مالية، ثم كل التجريم الذي ينزل بالعامل يتعلق بمخالفته لنصوص نظام العمل والعمال.
للمراجعة: راجع كتاب شرح نصوص نظام العمل والعمال، في المملكة العربية السعودية للمستشار يوسف عبد العزيز محمد عبد المجيد، طباعة الدار السعودية للنشر، الطبعة الأولى عام (1407هـ) .
هناك أشياء لم تبرز في هذا النظام وقد سبق أن أصدر فضيلة الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله تعالى رسالة قيمة سماها " نقد نظام العمل والعمال " وتكلم فيها عن مخالفة هذا النظام للشريعة في التسوية بين المسلمين والكفار، بل في تفضيل الكفار على المسلمين في أشياء كثيرة في أمور الدية والأعمال والمرتبات وغيرها وإن كان هناك تعديلات فإنها لم تمس جوهر هذا النظام.