إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلىآله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هموم المرأة: هو الدرس الحادي والأربعون من سلسلة الدروس العلمية العامة، وهذه ليلة الإثنين الرابع عشر من ربيع الآخر، لسنة (1412هـ) .
أيها الأحبة: أرى جمعكم في هذا اليوم أقل من المجلس السابق، ولا أدري أهو نوعٌ من الاحتجاج على معالجة قضايا المرأة، أم أنه تنفيذٌ لأوامر صدرت إليكم من جهةٍ مجهولة، وقد قرأت في بعض الطرائف، أنه أقيم معرض في مكانٍ ما، ووضع فيه لوحتان، كتب على أولاهما: الذين تطيعهم زوجاتهم، وكتب على اللوحة الثانية: يقف هنا الذين يطيعون زوجاتهم؛ فوقف أمام لوحة الذين يطيعون زوجاتهم طابورٌ طويل، أما اللوحة التي كتب عليها: الذين تطيعهم زوجاتهم، فلم يقف أمامها إلا رجلٌ واحد، فجاءت اللجنة المنظمة لهذا الاختبار، لتسأل هذا الرجل، إلى أي حدٍ تطيعه زوجته؟ فقالوا له: ما سر وقوفك هنا؟ قال: لأن زوجتي أمرتني بأن أقف هنا! أيها الأحبة: المرأة شقيقة الرجل وأخته، ونظيره في أصل الخلقة، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] .
فالناس من جهة التمثيل أكفاءُ أبوهمُ آدمٌ والأم حواءُ فإن يكن لهمُ من أصلهم نسبٌ يفاخرون به فالطينُ والماءُ ويقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] ويقول سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:189] .
فأصل الخلق وأصل البشر آدم عليه السلام، وقد خلقت منه حواء، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: {إن المرأة خلقت من ضِلعٍ} كما في الصحيحين، وجاء عن ابن عباس: [[أنها خلقت من ضلع آدم عليه السلام]] ولهذا يقول الشاعر: هي الضلع العوجاء لست تقيمها ألا إن تقويم الضلوع انكسارُها أتجمع ضعفاً واقتدراً على الفتى أليس غريباً ضعفها واقتدارُها فالمرأة خلقت من الرجل، لكنها خلقت بطبيعة خاصة، فهي تحتاج إلى أن تعرفها المرأة ويعرفها الرجل، حتى يتم التعامل معها بصورة صحيحة، وبشكلٍ عام فإن نظرة الإسلام إلى المرأة يلخصها قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي روته عائشة رضي الله عنها كما في المسند، وسنن أبي داود وسنن الترمذي، ورواه أيضاً أنس، كما في مسند البزار، ومسند أبي عوانة، وسنن الدارمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إنما النساء شقائق الرجال} وهو حديث حسن، فالمرأة شقيقة الرجل، وهي جزءٌ منه، وهي أخته، وأمه، وزوجه، وقريبته.
والمعاملة في الدنيا الأصل فيها التساوي، إلا ما نص الشرع على تمييز الرجل عن المرأة فيه، أو نص على تمييز المرأة عن الرجل فيه، وكذلك المعاملة في الدار الآخرة، قال الله عز وجل: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النساء:124] .
ولذلك فإنه من نافلة القول، ومن البدهيات التي لا تحتاج إلى تكرار، وهو أن نقول: إن المرأة جسد، وروح، وعقل، وحين نتحدث في هذا الدرس عن هموم المرأة، فإننا لن نقصر الحديث على الهموم المادية البحتة من مطعم ومشرب وملبس ومنكح؛ لأن هذه الهموم كلها تمثل الجانب الجسدي، في الرجل والمرأة على حدٍ سواء، وحصر الإنسان في هذه الهموم فقط -كما هو واقع في الحضارات المادية الغربية والشرقية اليوم هو نوعٌ من جعل الإنسان حيواناً لا هم له، إلا الأكل والشرب والسفاد، يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] .