ومع كلمة للشيخ عبد الرحمن البراك فليتفضل.
قال الشيخ عبد الله البراك حفظه الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهداه وسلم تسليماً كثيراً.
أيها الإخوة في الله: أخاطبكم جميعاً بهذا اللقب لأنه وصف مشترك يجمع بيننا صغيرنا وكبيرنا، وإلا ففيكم من له حق علينا مشايخ لنا كرام، نسأل الله أن يرفع درجاتهم وأن يجزيهم خيراً، وإخوة نسأل الله أن يجمع بين قلوبنا على محبته سبحانه وتعالى.
أيها الأحباب: إنه لجمعٌ يهيج مشاعر من يحضره، جمعٌ علام؟ جمعٌ على الخير، على العلم، على الحب في الله، نسأل الله أن يحقق لنا ذلك بمنه وكرمه.
لقد جئت أيها الإخوة، وأجبت الدعوة، وما جئت إلا لأحضر، وأشجع بالحضور، وأسلم على أحبابٍ طالما انقطع بيني وبينهم اللقاء المباشر، وإن لم ينقطع اللقاء الثابت الدائم.
ففي هذا اللقاء منافع كثيرة، لقاء الإخوة في الله، لقاءٌ يؤكد الحب في الله، لقاءٌ يؤكد الدعوة إلى الله، لقاءٌ يشجع الناشئين الذين نرجو أن يكونوا خلفاً صالحاً لأسلافهم.
ولقد بدا لي أن أذكر بهذه المناسبة أن مثل هذا الجمع الذي يقوم على تشجيع العلم، وعلى تشجيع حفظة القرآن وحفظة السنة، تشجيعهم التشجيع المعنوي قبل المادي.
وهذا الجمع الذي يضم أشتاتاً من أقطار متباعدة كما نُوه عن ذلك في الكلمات التي تضمنها الحفل، هذا الاجتماع أيها الأحباب يضم علماء، ويضم طلاب علم، يضم إخوة محبين في الله يحبون الخير وأهل الخير، ويعينون على الخير بأنفسهم وأموالهم، إنَّ مثل هذا في هذا العصر الذي أرى أنه أعظم العصور فتناً، فالصراع بين الحق والباطل أمر جارٍ وثابت على مر الزمن، سنة الله في خلقه، وما أسكن الله الجنس البشري في هذه الأرض إلا ليبتليه {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] .
فالصراع بين الحق والباطل قائم على الدوام، ولكنه في بعض الأعصار وفي بعض الزمان تشتد المحن، وتشتد وتقوى قوى الباطل وقوى الشر، وأرى أن هذا الزمان قد قويت فيه قوى الشر، وعظمت فيه الفتنة لما مكن للبشرية من وسائل، ومن حكمة الله البالغة أن جرت هذه الوسائل على أيدي أمم الكفر، حكمة بالغة، المسلمون هم الأضعف الآن مادياً، ولا أقول: هم الأضعف معنوياً، فالمسلمون مهما بلغ بهم الضعف، فهم الأقوى وإن امتحنوا، وإن حصل لهم وحصل عليهم تسلط من الأعداء.
لا سيما من كان مستقيماً على منهج الله، معتصماً بحبله، قد اتقى الله ما استطاع فلا يضره أن يفتقد كثيراً من القوى المادية فهي أحوال ومراحل، ولا بد أن تكون العاقبة للمؤمنين المتقين، الصابرين وإن مروا بمحنة، وهم منصورون على كل حال، منصورون في الدنيا وفي الآخرة، والنصر متنوع، وصوره متعددة {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51] في الحياة الدنيا متعلق بننصر، أي: ننصر رسلنا وننصر الذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، أي: قد وعد الله رسله والمؤمنين بالنصر في الدنيا والآخرة.
ومع هذا البلاء العظيم، وهذه الفتن المدلهمة، والمتمثلة في قوى الباطل في سائر دول العالم، مع هذا ومع الكيد المتنوع المادي والمعنوي لا بد أن يبقى الحق ثابتاً، وهذا علمٌ من أعلام نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو ضروري ولازم من ختم النبوة، فإذ قد ختمت النبوة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فلا بد أن تبقى شريعته، ولا بد أن يبقى الدين الذي جاء به، لا بد أن يبقى لتبقى الحجة، ولا بقاء لهذا الدين إلا بحملته، وما أسعد من كان من حملة هذا الدين القائمين به قولاً وعملاً! أقول: إن مثل هذا التجمع العلمي الخيري الأخوي وما يجري على غراره؛ هذا يعبر عن خير في الأمة ولله الحمد، وعن خير في الأمة يرجى أن يظهر أكثر وأكثر وأن يعود، أقول: إنه علمٌ على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى يرجع إلى آية وحديث، أما الآية فقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] وعد صادق لا يخلف {إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:9] .
وحفظ الذكر يستلزم حفظ القرآن، وحفظ ما يفسر القرآن وهو سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ويستلزم أن يبقى في هذه الأمة من يحمل القرآن نصاً ومعنى، وعملاً، أما الحديث فهو الحديث المشهور، قوله صلى الله عليه وسلم: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يظرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى} .